فلسطين أون لاين

بين ثقلها أو تذوقها.. عوامل عدّة تؤثر في شكل استشعار العبادة

...
غزة - فاطمة أبو حية

عندما كان النبي _صلّى الله عليه وسلّم_ يأمر بلال بن رباح _رضي الله عنه_ بإقامة الصلاة كان يقول له: "أرحنا بها يا بلال"، ذلك لأن الصلاة راحة للنفس، لكن ما يحدث في كثير من الحالات أن لسان حال المسلم وكأنه يردد: "أرحنا منها" لأن الصلاة ثقيلة عليه، يريد وكأنها عبء يؤديه ليتخلص منها، وكذلك الحال مع كثير من العبادات الأخرى، يشعر الفرد بثقلها، ولا يتذوق لذّتها مطلقا، فما سبب ثقل العبادة؟ وكيف يكون تذوقها؟

مجبولةٌ على حب التفلّت

يقول الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الدكتور عاطف أبو هربيد: إن "التكليف عادة ثقيلة على النفس، خاصة أن النفس البشرية مجبولة على حب التفلّت وعدم الانضباط، وعلى أن تأتي شهواتها دون تكليف أو ضوابط أو حدود، وقد عرّف العلماء التكليف بأنه هو ما فيه كلفة، أي مشقة".

ويضيف لـ"فلسطين": "أما العبادة فهي حب الله والخضوع والتذلل له، أي أن الفرد يخضع جوارحه لله حبا وطاعة، رغم أن النفس تدعوه لمتاع الحياة الدنيا"، متابعا: "لذا على المؤمن أن يجاهد نفسه، وبمقدار المجاهدة يرتفع أجره وتعلو مكانته عند الله، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)".

وعن الأسباب التي تؤدي إلى تذوق العبادة أو استثقالها، يوضح أبو هربيد أن عددا من العوامل يؤدي إلى ذلك، منها مستوى الإيمان، ودرجة الانشغال بالدنيا، وإدراك مقصد العبادة، والصحبة إذا ما كانت صالحة أو صحبة سوء، وغير ذلك.

ويبيّن: "مستوى الإيمان يلعب دورا في كون العبادة ثقيلة أو خفيفة على النفس، لذا فإن أثقل صلاة على المنافقين الفجر والعشاء بينما المؤمن قد يجد راحته ومتعته في الصلاة، من هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة)، وكان عندما يأمر بلال بن رباح للأذان يقول: "(ارحنا بها يا بلال)، ولنفس السبب كان الصحابة يتمنون أن يكون العام كلّه رمضان لاستشعارهم لذة الطاعة فيه، فكلما ارتفع منسوب الإيمان عند الفرد فهو يقبل بشغف على العبادة، وبينما تفتر همته إذا قل مستواه الإيماني".

بمجاهدة النفس

ويلفت إلى أن التعلق بالعبادة لا يكون إلا بمجاهدة النفس، منوها إلى أن "الشارع الحكيم يعرف ثقل العبادة على النفس البشرية، لكنها ليست خارجة عند قدرات الإنسان ولا طاقته بدليل قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)، فالأحكام في الشريعة جاءت مراعية لطاقة الفرد، وعلى اعتبار أن الأبدان تمل كما القلوب، لذا كان الأمر الرباني: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)".

ويشير إلى أن الانشغال بأمور الدنيا ومتاعها يؤثر في شكل استشعار العبادة، وكذلك إدراك مقصد العبادة من عدمه، وما إذا تدبر المسلم حقيقة الخلق والغاية التي خُلِق من أجلها الإنسان، إلى جانب استشعار الموت، فإذا تجلت للمؤمن حقيقة الحياة زائلة فسيعود لربه يستشعر أنه مقصر بحق الله تعالى، مما يحثّه على العمل والطاعة، والعكس تماما إن لم يحسب حسابا للموت.

ويوضح: "من المؤثرات التي تعين المسلم على الانتقال من الشعور بثقل العبادة إلى تذوقها أن يكون مُحاطًا برفقة حسنة تذكّره بالله وبالرجوع إليه، والاستعانة بالمواعظ التي يتلمسها من حوله، مثل كبار السن الذين لا يتوانون عن صلاة الجماعة".

وبحسب أبو هربيد، فإن "الفرد إذا أوغل في العبادة دفعة واحدة فقد يتركها دفعة واحدة لاستشعارها بأنها ثقيلة عليه، أما إن دخلها رويدا رويدا فسيستمتع بها، ويتذوق لذتها".

ويؤكد أن شكل استشعار العبادة يؤثر على باقي العبادات وعلى حياة الفرد في مجملها، فإذا استثقل عبادة ما فقد يتكاسل عن أداء غيرها، وربما يؤثر ذلك على مجرى حياته ومنسوب سعادته، أما إن تذوق لذتها فالنتيجة معاكسة تماما، وكما ورد في السنة النبوية أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونَزَع واستغفر صُقِل منها، وإن زاد زادت حتى يغلَّف بها قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: (كلا، بل ران على قلوبهم)".