فلسطين أون لاين

باحث: 5 عمليات عبر الأنفاق خلال سنوات الانتفاضة الخمس

أنفاق الانتفاضة الثانية.. بداية المسير نحو فلسطين المحتلة

...
صورة أرشيفية
غزة/ محمد عيد:

غدت سنوات النضال الفلسطيني الممتدة منذ (2000-2005م)، محطة راسخة في مخيلة الأجيال والقضية الفلسطينية بعدما توجت بإنجازات سياسية وعسكرية.

فشرارة الانتفاضة الثانية التي اندلعت عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرئيل شارون يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 باحات المسجد الأقصى، تحت حماية عسكرية مشددة، لم تخمد إلا بعد 5 سنوات من الصراع مع الاحتلال.

وتميزت انتفاضة الأقصى مقارنة بنظيرتها الأولى التي اندلعت عام 1987، بكثرة وتعدد المواجهات، وتنوع وسائل المقاومة الشعبية والعسكرية.

وظهر سلاح الأنفاق، واحدًا من أسلحة المقاومة التي وظفتها في عملياتها الهجومية ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية التي كانت مهمتها حماية المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة فوق أرجاء قطاع غزة.

موقع "ترميد"

وبعد مرور عام على انتفاضة الأقصى وتحديدًا في 26 سبتمبر/ أيلول 2001، نفذت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عملية تفجيرية لموقع "ترميد العسكري" داخل الشريط الحدودي الفاصل بين غزة ومصر (محور فيلادلفيا).

فكانت هذه العملية أول عملية فدائية عبر نفق أرضي تنفذها المقاومة الفلسطينية في الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

والموقع العسكري مكون من ثلاثة طوابق يقطنه عشرات الجنود، فما كان من مجاهدي القسام إلا حفر نفق أرضي طوله 150 مترًا، وزرع كميات كبيرة من المتفجرات أسفله.

وأسفرت العملية الفدائية آنذاك عن تفجير الموقع العسكري الذى تسبب باستشهاد العشرات من أبناء شعبنا وجرح المئات منهم فيما تكتم جيش الاحتلال عن خسائره من "هول الصدمة".

موقع "حردون"

وعادت كتائب القسام مجددًا لتنفيذ عملية فدائية أخرى عبر نفق أرضي بتاريخ 13 كانون أول/ ديسمبر 2003م، وأسفر عن تفجير موقع عسكري إسرائيلي جديد.

والنفق الثاني خلال الانتفاضة حفره مجاهدو كتائب القسام، أسفل برج المراقبة العسكري لجيش الاحتلال في مخيم يبنا جنوبي رفح والمعروف عسكريا باسم "موقع حردون".

وفجر مجاهدو القسام الموقع العسكري الواقع على الحدود الفلسطينية المصرية، بكميات كبيرة من المتفجرات؛ ما أسفر عن تدمير الموقع ومقتل وإصابة من بداخله.

موقع "أورحان"

وبعد ستة أشهر من العملية السابقة نفذت كتائب القسام عملية عسكرية أخرى في 27 يونيو/ حزيران 2004م، عبر نفق أرضي أسفل الموقع المعروف بـ"محفوظة" أو "أورحان العسكري".

و"أورحان" موقع عسكري يقع داخل مجمع مستوطنات "غوش قطيف"، ويستخدم لمبيت جنود الاحتلال في أثناء خدمتهم العسكرية في تجمع المستوطنات، وكان يطل على الحاجز العسكري المشهور آنذاك (المطاحن/ أبو هولي).

وقالت كتائب القسام آنذاك إنها نفذت العملية العسكرية عبر نفق أرضي يبلغ طوله 495 مترًا من منطقة آمنة إلى أسفل الموقع العسكري.

وذكرت القسام أن مجاهديها قاموا بتفريع النفق إلى ثلاثة أفرع (شرق -وسط -غرب) وتوزيع العبوات الناسفة على هذه الأفرع الثلاثة، حيث تم وضع عبوة شديدة الانفجار تزن 650 كيلوغرامًا شرقًا وعبوة أخرى تزن 700 كيلوغرام غربًا وعبوة ثالثة في الوسط تزن 650 كيلوغرامًا ليصل مجموع المادة المتفجرة في هذه العملية إلى 2000 كيلوغرام.

وأسفرت العملية آنذاك عن دمار كامل في البرج العسكري ومقتل عدد من الجنود وإصابة آخرين بجراح.

واستذكر أحد الضباط الذين كانوا في الموقع ساعة التفجير ويدعى "اليتسور طرابلسي" العملية قائلًا: "إنها كادت تتسبب بكارثة حقيقية".

وأضاف اليتسور -الذي كشف عن شهادته بعد 10 سنوات- أن الموقع انهار انهيارًا كاملًا، وأن عددًا من الكتل الإسمنتية هوت على الجنود.

وقال: إن قرار الضابط المناوب في حينها وكان يدعى "روعي نيسيم" أنقذ حياة 53 جنديا كانوا داخل الموقع ساعة التفجير، وكان من المفترض أن يجلس الجنود في وسط الموقع لمشاهدة الدوري الأوروبي لكرة القدم، إلا أن قائد الموقع أراد أن يسود الموقع بعض الانضباط، فأخذ منهم بطاقات الاشتراك ومنعهم من حضور الدوري، الأمر الذي منع كارثة كبيرة.، بحسب الضباط.

وتابع: حدث التفجير تحت القاعة المذكورة. وبحسب طرابلسي، فالتفجير كان مهولًا وصادمًا "نجح المخربون في تفجير نفق مفخخ واحد من بين ثلاثة أنفاق تحت الموقع، وكان فيه في تلك اللحظة 53 جنديا وضابطًا، الأمر الذي تسبب بمقتل الرقيب أول روعي نيسيم حين كان يقوم بأعمال الدورية داخل الموقع".

"السهم الثاقب"

وفي 7 ديسمبر/ كانون الأول 2004م، نفذت كتائب القسام كمينًا عسكريا عبر نفق أرضي باتجاه السياج الفاصل شمال قطاع غزة، هاجمت من خلاله قوة من مخابرات الاحتلال.

وفجرت كتائب القسام من خلال النفق نحو طن ونصف من المتفجرات بمركبات مخابرات الاحتلال التي اعتادت الوجود في المنطقة، ما أسفر عن مقتل جندي وإصابة 4 آخرين.

"بركان الغضب"

وبعد أيام من عملية "السهم الثاقب"، نجحت كتائب القسام بالتعاون مع "صقور فتح" في تنفيذ عملية أخرى عبر نفق أرضي من رفح حتى موقع "جي.في.تي" العسكري القريب من معبر رفح الحدودي مع مصر.

ووقعت العملية في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2004م، وأسفرت عن مقتل 5 جنود من وحدة "الدوريات الصحراوية" التابعة لجيش الاحتلال، وإصابة 6 آخرين بجراح 4 خطرة.

ونفذ المجاهدون العملية آنذاك بعد حفرهم نفقًا طويلًا استغرق حفره أربعة أشهر متواصلة بطول 600 متر من أجل الوصول إلى النقطة العسكرية داخل المعبر.

وبعد عملية تفجير الموقع هاجم مقاومان أحدهما من كتائب القسام والآخر من "صقور فتح" (بعد خروجهما من نفق آخر أعد لهذه الغاية) اشتبكا مع جنود الموقع لمدة ساعة كاملة، استشهد المجاهد المؤيد الأغا.

وتمكن مجاهد القسام من الانسحاب بسلام بعد تنفيذ مهمته بنجاح واغتنام سلاح من العيار الثقيل من أحد جنود الاحتلال (mag).

الطريق متواصلة

ولم تتوقف المقاومة الفلسطينية بعد الاندحار الإسرائيلي عن غزة (سبتمبر 2005)، بفضل ضرباتها وعملياتها النوعية، فواصلت المسير أرضًا نحو الأراضي المحتلة.

وتمكنت كتائب القسام وجيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين الأيوبي، من اختراق موقع عسكري إسرائيلي جنوبي القطاع، يوم 25 يونيو/ حزيران 2006م، عبر نفق أرضي ممتد من رفح إلى داخل الأراضي المحتلة.

وأسفرت العملية الفدائية التي أطلق عليها "الوهم المتبدد" إلى مقتل جنديين إسرائيليين وجرح 5 آخرين وأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لمدة خمس سنوات، والإفراج عنه ضمن صفقة تبادل في 18 أكتوبر 2011م بموجب صفقة تبادل بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية.

وتمكنت حركة حماس من الإفراج عن 1047 أسيرًا وأسيرة فلسطينية عبر دفعات متتالية مقابل إطلاق سراح جندي المدفعية الإسرائيلية.

وعاد سلاح الأنفاق أيضًا بشكل لافت في عمليات كتائب القسام في أثناء تصديها للعدوان الإسرائيلي على غزة صيف 2014م، والتسلل عبر الأنفاق للقتال من "نقطة صفر" والاشتباك مع جنود الاحتلال المتمركزين في مواقعهم العسكرية داخل الأراضي المحتلة.

وبثت القسام آنذاك مقاطع فيديو لمقاتليها في أثناء ضربهم جنود الاحتلال بأعقاب البنادق، وإطلاق النار وقذائف "آر بي جي" صوب المواقع العسكرية؛ الأمر الذي حتم على جيش الاحتلال وقف عدوانه آنذاك والتوقف عن خطة الاجتياح البري لغزة.

حركات التحرر

ويقول الباحث في شؤون المقاومة الفلسطينية محمد حسونة: إن الصراعات غير المتكافئة بين حركات التحرر وقوى الاحتلال تترك ميدانًا واسعًا لابتكار تكتيكات قتالية واستراتيجيات عسكرية تتناسب مع بيئة القتال وقدرات حركات التحرر المحدودة، وذلك في محاولة للتغلب على الترسانة العسكرية الضخمة لقوى الاحتلال.

ويضيف حسونة لصحيفة "فلسطين": إن طبيعة الصراع الفلسطيني مع الاحتلال والتفوق العسكري للأخير على المقاومة الفلسطينية دفعها لتطوير أساليبها القتالية، بما يمكنها من تجاوز دوريات الحراسة المشددة ووسائل المراقبة عالية الدقة، وذلك وصولًا إلى أهدافها المتمثلة في تنفيذ عمليات فدائية في المستوطنات والمواقع العسكرية المحيطة بها.

ويشير إلى أنه منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، استأنفت المقاومة الفلسطينية نشاطها العسكري ضد الاحتلال ومواقعه العسكرية فسرعان ما تحول الفعل الشعبي السائد إلى فعل عسكري بحت، تحديدًا في غزة.

ويعدد أنه في إطار ذلك، تعرض النشاط العسكري المقاوم لعقبات عدة، أهمها: تشديد العدو دوريات الحراسة على المستوطنات والمواقع العسكرية، وتعزيزها بالآليات العسكرية والطائرات والقطع البحرية ووسائل المراقبة، الأمر الذي دفع قيادة المقاومة إلى البحث عن أساليب تتغلب فيها على تعزيزات الاحتلال ووسائل مراقبته.

ويتابع حسونة: وهذا ما دفع المقاومة إلى توظيف الأنفاق تحت الأرض في العمليات الفدائية ضد جيش الاحتلال ومواقعه العسكرية.

ويذكر أنه خلال عام 2001م، نفذت المقاومة أول عملية فدائية باستخدام الأنفاق، وقد استهدفت من خلالها موقع (ترميد) العسكري داخل الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة، تلاها عملية موقع برج المراقبة (حردون) عام 2003م، وعمليات: (موقع محفوظة، والسهم الثاقب، وبراكين الغضب) خلال عام 2004م.

وخلص حسونة إلى أنه بالنظر إلى العمليات الفدائية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في انتفاضة الأقصى (2000-2005م)، يمكن قراءة تطور الفكر العسكري المقاوم بما فيه تطور أساليب القتال في حروب غير متكافئة.

وختم الباحث الفلسطيني: لم تكتفِ المقاومة باستخدام الأنفاق في العمل الفدائي ضد الاحتلال، وإنما عملت من خلالها على تهريب أسلحة ووسائل قتالية من خارج غزة المحاصرة، ما أسهم كثيرًا في مراكمة قوة المقاومة العسكرية وزيادة فرص إلحاق الخسائر في صفوف الاحتلال، الأمر الذي كان سببًا رئيسًا في اندحار الاحتلال عن غزة عام 2005م.