كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة فجرًا يوم 15 أغسطس/ آب 2005، حين تجمع آلاف المواطنين من مختلف مناطق قطاع غزة بالقرب من مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي التي كان جيشه يستعد للاندحار منها، في إثر عمليات المقاومة الفلسطينية الرادعة ضد ثكناته وجنوده ومستوطنيه.
وفي اللحظات الأخيرة لاندحار جيش الاحتلال من المستوطنات، كانت الفرحة تدب في قلوب المواطنين الذين تجمعوا بالقرب منها، مع نظرات متواصلة تجاه تحركات الجيش ودباباته والطائرات المروحية التي هبطت داخل الثكنات العسكرية لإجلاء الجنود والضباط.
ومع إقلاع آخر طائرة عسكرية احتلالية، هرول آلاف المواطنين إلى داخل أراضيهم المحررة، مع ارتفاع صوت التكبير والتهليل، فرحًا بتحرير أولى الأراضي الفلسطينية من الاحتلال.
واستطاع الكثير من المواطنين الوصول إلى المناطق المحررة قبل دخول قوات أمن السلطة التي أوكلت لها مسؤولية الدخول إلى الأراضي المحررة بعد اندحار جيش الاحتلال، لكن فرحة المواطنين سبقتهم إلى غالبية المحررات.
وكان الاحتلال يجثم قبل الاندحار على 21 مستوطنة داخل قطاع غزة، أبرزها "قطيف"، التي بودر إلى تأسيسها في نهاية مايو/ أيار 1973، والتي بدأت في التوسع والانتشار كالسرطان، لتظهر بعدها مستوطنات "قطيف نحال"، و"نيتسر حزاني"، و"جاني طال"، و"نافيه دكاليم"، و"جديد"، و"جان أور"، و"بدولح"، و"عتصمونة"، و"دغيت", و"موراج"، و"نتساريم".
المواطن أحمد بركات كان من ضمن دفعات المواطنين الذين وطئت أقدامهم أراضي المستوطنات المحررة غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بعد سماعهم إقلاع طائرة مروحية إسرائيلية من داخل المستوطنة.
يستذكر بركات في حديثه لصحيفة "فلسطين" اللحظات الأولى التي سبقت دخولهم الأراضي المحررة، قبيل اندحار جيش الاحتلال من جميع المستوطنات.
يقول بركات: "لم يكن أحد يعلم من المواطنين بالموعد الدقيق لاندحار جيش الاحتلال من المستوطنات، لكن بدأ المواطنون يشاهدون منذ يوم 15 أغسطس غياب المستوطنين من داخل المستوطنات، وكذلك الدبابات والجنود".
ويضيف: "في هذا اليوم بدأ آلاف المواطنين بالتجمع في منطقة حاجز التفاح غرب مدينة خان يونس، وهي منطقة عالية ونشاهد من خلالها جميع المستوطنين غرب المدينة بوضوح".
ويكمل: "بدأ الظلام يخيم على المنطقة ومعه تعالت أصوات المواطنين بالتكبير والتهليل، والأناشيد الوطنية، مع ازدياد أعداد الناس كثيرًا، حتى وصلت الساعة إلى الثانية عشرة فجرًا".
ويوضح أن ساعة الصفر لدخول الأراضي المحتلة، حددها المواطنون، وليس جهة رسمية، حيث بدأ الناس بالتدفق إلى المستوطنات المحررة، بعد إقلاع طائرة الهيلوكوبتر التابعة لجيش الاحتلال.
ويشير إلى أن آلاف المواطنين دخلوا المستوطنات والثكنات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال سابقًا، وكان الجميع يسمع هدير الدبابات وهي في طريقها إلى الأراضي المحتلة عام 1948، حيث وصل الناس إلى منتصف المستوطنات، وكانت الدبابات لم تصل بعد إلى بوابة "كيسوفيم".
ويلفت إلى أن الفرحة ودموع البكاء سيطرت على الناس حين شاهدوا الأراضي المحررة دون وجود أي جندي إسرائيلي فيها أو أي أثر مستوطن عليها.