مع إشراقة كل يوم يتوجه نزار العبادلة إلى أرضه الزراعية في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لتقليم أشجار الزيتون والحمضيات التي زرعها عقب اندحار الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر/ أيلول 2005.
وعمد الاحتلال ومستوطنوه قبل الاندحار من القطاع، إلى منع وصول المياه إلى الأراضي الزراعية للمواطنين، ما أدى إلى تحويلها إلى صحراء جرداء، وفق العبادلة.
وفي 15 سبتمبر 2005، بدأ الاحتلال إخلاء مستوطناته من قطاع غزة، في حدث تاريخي، حيث لم يسبق له أن أخلى أرضًا استولى عليها منذ احتلاله فلسطين التاريخية عام 1948.
أرض جرداء
وبمجرد أن اندحر الاحتلال من القطاع سارع العبادلة، برفقة أشقائه إلى أرضهم، لكنهم صدموا بما شاهدوه، حيث وجدوها جرداء، والأشجار ميتة لعدم ريها بالماء منذ أعوام، فحينئذ لم يسمح الاحتلال لأحد بزيارة أرضه وريها.
ويصف الخمسيني العبادلة أرضه الزراعية قبل احتلالها بـ"الجنة"، كانت مزروعة بأشجار البلح والجوافة والرمان، والزيتون المعمر، لكن سرعان ما مات الشجر مع احتلالها.
ويلفت إلى أن قوات الاحتلال كانت في بعض الأوقات تسمح لوالده بزيارة أرضه لبعض الوقت، إلا أنه لم يكن قادرًا على رعايتها وتسميدها؛ لكبره في السن وضيق الوقت المسموح له بالبقاء في الأرض، فلم يكن يمضي في أرضه سوى ساعات، فكيف سيهتم بأشجار مزروعة آنذاك على ستة دونمات.
ويضيف: كان والدي يشعر بالحزن والغضب الشديدين، ويتعرض في بعض الأوقات للمرض عند موت إحدى الأشجار التي غرسها بيديه، فكانت لكل شجرة يزرعها قصة وحكاية، وكان يشعر بالمرض كلما منعه الاحتلال من الوصول لأرضه.
وأكد أن قوات الاحتلال منعت أصحاب الأراضي الزراعية من الوصول إلى أراضيهم وقيدت حركة السكان بشكل أكبر من ذي قبل، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ما أدى لموت الأشجار التي زرعت طوال الأعوام الماضية.
قتل الأشجار
ويشير إلى أن احتلال قطاع غزة 38 عامًا، وتقطيع أوصاله ومنع المزارعين من فلاحة أرضهم أدى لموت الأشجار التي رويت بتعب وشقاء الآباء والأجداد، مضيفا "كنا نحلم بيوم يندحر الاحتلال عن أرضنا وتعود لنا من جديد لنقوم بفلاحتها والعناية بها بعد أن حرمنا منها أعواما".
ويكمل العبادلة الذي شهد العديد من العمليات الفدائية وإطلاق النار على جيش الاحتلال كونه يسكن في منطقة القرار شرق مدينة خان يونس، على مقربة من الموقع العسكري، أنه كان يشعر في كل مرة بالفخر لما تقوم به المقاومة لتحرير القطاع من دنس المحتل، وبالفعل تم ذلك.
ويؤكد أن الاحتلال قرر الاندحار من القطاع بسبب ضربات المقاومة وعملياتها المستمرة والنوعية التي كانت الدافع وراء قراره عام 2005، وبعد أن أيقن رئيس وزراء الاحتلال حينها أريئيل شارون أن "بقاء المستوطنات لا بد له من كلفة وثمن".
وما أن اندحر الاحتلال من القطاع المحاصر، سرعان ما بدأ "العبادلة" بزراعة أرضه مجددًا وإعادة إحيائها بعد أن تركها الاحتلال صحراء قاحلة، وفق قوله.
ويلفت إلى أنه اجتهد وأسرته المكونة من ستة أفراد، ليعيد أرضه الزراعية البالغة مساحتها دونمين ورثهما عن والده بأشجار الزيتون والرمان والنخيل والبرتقال والليمون وغيرها.
وعقب 15 عاما من اندحار الاحتلال وإخلائه 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا، وإنهاء وجوده الفعلي على الأرض، فإنه يفرض حصارا مشددا وعقوبات جماعية على نحو 2 مليون مواطن، منذ 14 عاما، ويمارس كل صنوف العدوان والخنق، عبر الحروب والتوغلات العسكرية.