مع بداية اكتشاف فيروس كورونا وانتشاره في بعض دول العالم، كانت بلجيكا من الدول السباقة في احتواء الفيروس، في شباط (فبراير) كانت الحياة طبيعية هناك رغم انتشار المرض، وكانت ضمن فريق لدورة تدريبية تقضي فيها ثلاث ساعات يوميًّا، في أواخر الشهر المذكور أعلن الحجر البيتي لجميع المواطنين والمقيمين في بلجيكا وفعلًا طُبِّق الحجر، لتظهر عليها أعراض المرض، وتخوض بعزيمة هذه التجربة التي كتبها الله لها.
ابتسام كلاب (٣٠ عامًا) متزوجة ولديها ثلاث بنات، مقيمة في بلجيكا منذ ثلاث سنوات، تسرد لصحيفة "فلسطين" تجربتها مع ذلك الفيروس.
تقول: "لم يكن موضوع النظافة بالعبء علي، لأن هذا بالأساس كان نظامي المتبع في المنزل دوريًّا، كل ما في الأمر أني زدت من استخدام المعقمات وشددت التعليمات المنزلية التي تخص النظافة الشخصية والعامة لأضمن حماية عائلتي من هذا المرض وغيره من الأمراض".
لم تكن تعلم أن الفيروس كان يترعرع داخلها دون علم منها، فبعد ١٤ يومًا من الحجر بدأت تظهر عليها أعراض أنفلونزا عادية، لكنها كانت قوية كما وصفتها: "وجع في المفاصل، وحرارة، واحتقان في الحلق، وإرهاق وتعب عام"، لم تكترث إطلاقًا واعتقدت أنها أنفلونزا عادية ومارست حياتها طبيعيًّا.
وتضيف ابتسام: "لم أضع أي نسبة تذكر لاحتمالية إصابتي بالمرض، ومرت خمسة أيام ولم يطرأ أي تحسن يذكر، قررت حينها الذهاب إلى المستشفى كي أتلقى وصفة طبية لأشتري علاجًا، لأني بطبيعتي لا أفضل تناول الأدوية، فحصت وسئلت بعض الأسئلة وفحصت عينة من الدم وعينة لمرض كورونا".
في الساعة ذاتها ظهرت تحاليل الدم وكانت سليمة، أما الفحص الآخر فكان يستغرق وقتًا أطول، فعادت إلى منزلها لتتسلم النتيجة في صباح اليوم التالي.
وتتابع: "في صبيحة ذلك اليوم ظهرت نتيجة تحليلي وكانت إيجابية، وكنت أحمل الفيروس، أبلغني زوجي بهذا، لم تكن لدي أي ردة فعل غير ابتسامة باهتة تخفي تساؤلًا: من أين لي هذا؟!، وسرعان ما رد قلبي: هذا من فضل ربي، الحمد لله على كل حال".
طلب منها المستشفى عزل نفسها في غرفتها، والاحتزاز من مخالطة زوجها وبناتها، وأن تتابع حالتها في حال ظهرت أي أعراض جديدة أو تطور وضعها، "جلست في غرفتي، كنت أخرج منها فقط لقضاء حاجتي، وخصصت كثيرًا من الأدوات لاستعمالي الشخصي أنا فقط، بعد ثلاثة أيام تقريبًا من الحجر اختفت أعراض الأنفلونزا كليًّا، وظهرت أعراض أخرى، تعطلت لدي حاستا الشم والتذوق تعطلًا كاملًا، وبدأت أشعر بضيق في النفس كان خفيفًا، أبلغت طبيبة العائلة بهذا وطلبت من زوجي متابعة حالة النفس لدي، في حال ازدادت سوءًا علي التوجه مباشرة إلى المستشفى".
بدأ ضيق النفس يزيد عندها يومًا تلو الآخر، ففي بداية الأمر كانت تشعر به كل بضع ساعات ثم كل ساعة، ثم كل نصف ساعة، إلى أن وصل بها الحال إلى الشعور الدائم بضيق النفس واضطرارها إلى التنفس بعمق لمساعدة الشعب الهوائية على الفتح واستقبال الهواء.
وتتابع ابتسام: "بدأت ألهث في أثناء حديثي، لا أستطيع أن أتكلم بشكل طبيعي ومتواصل، وبقيت معزولة وأشعر بهذه الأعراض مدة شهر كامل، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي خلدت فيه للنوم، أتنفس بعمق وإجهاد، رويدًا رويدًا شعرت أن نفسي بدأ ينقطع، لم أستطع أن أنادي زوجي، أو الوقوف على نافذة الغرفة لاستنشاق بعض الهواء كما كنت أفعل، بدأت أشعر بالتشنج، ولم يكن أمامي حينها إلا أن أستجمع قواي أصرخ، إنها "حلاوة الروح"، لا أدري كيف صرخت".
"ما هي إلا ثوان معدودة حتى كان زوجي بجانبي، آخر ما أتذكره حينها التشنج الذي أصابني وصراخ زوجي حولي، كانت الساعة الواحدة ليلًا، اتصل زوجي بالإسعاف، ونقلت إلى المستشفى تحت إجراءات الوقاية اللازمة، مكثت في العناية المركزة ليلة تحت الأجهزة الطبية".
بعدها بدأت حالتها تذهب نحو الاستقرار، خرجت من المشفى: "أعتقد أن هذه المرة كانت كأنها إعادة لإحياء روحي النقية من الفيروس، بدأت أتنفس طبيعيًّا، وأتذوق الطعام، وأجريت بعدها فحصًا كانت نتيجته سلبية".
وترى أن المهم في تلك المدة أن تجد من يكون بجانبك معنويًّا، فكان زوجها يقوم بكل أعمال المنزل ويعتني ببناتهما، فكان خير سند في محنتها، كذلك أهلها وأقاربها وأصدقاؤها كانوا داعمين لها بتواصلهم الدائم معها.
وتشير ابتسام إلى نفسيتها الإيجابية في تقبلها المرض، فلم تتذمر ولم تيأس أو تحزن قط: "فلم أمضِ وقتي عبثًا داخل غرفتي، فقد استثمرت كل دقيقة من وقتي في عزلتي، كنت أقرأ وردي اليومي من القرآن والأذكار الصباحية والمسائية، وأمارس التمارين الرياضية، ثم أتزين بالملابس ومساحيق التجميل، وكنت أتعلم إلكترونيًّا وأتابع دورة باللغة الفرنسية، وأتواصل مع أهلي والأصدقاء قليلًا".
وتجلس على نافذة غرفتها التي تطل على حديقة المنزل حيث بناتها يلعبن هناك، لتستكمل تحفيظهن القرآن: "أنا أقرأ وهن يرددن خلفي، ثم أكمل لهن سلسلة قصص الأنبياء التي كنت قد بدأت سردها لهن قبل مرضي"، فلم يقف مرضها حاجزًا بينها وبين حياتها مع عائلتها.
وتنصح الجميع: "المرض قدر من الله، ونحن نفر من قدر الله إلى قدر الله، وما أجملنا حين نقتدي بالأنبياء وأخلاقهم في التعامل مع المحن! (...) النفس التي يملؤها اليقين والثقة بالله لن تتأثر سلبًا بأي محنة، وكل ما هو مطلوب بعد ذلك المحافظة على النظافة الشخصية والعامة، وأخذ الحيطة والحذر، ونفسية جميلة مستعدة لتقبل أي شيء".