تلزم المسنة "م. ش"، في منتصف السبعينيات من عمرها، قدر الإمكان غرفتها في منزلها الكائن بمخيم جباليا للاجئين في محافظة شمال قطاع غزة، المحافظة المعزولة تمامًا التي تشهد تشديدا للإجراءات وحظرًا للتجوال بفعل تفشي فيروس "كورونا".
تدرك هذه المسنة جيدًا مدى خطورة الفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي، ويشكل خطرًا كبيرًا على المسنين.
تقول لـ"فلسطين": "لا أخرج من غرفتي إلا للضرورة، وأحاول قدر الإمكان عدم الاختلاط بأهل البيت التزامًا بالإجراءات الوقائية المعلن عنها".
وشملت الإجراءات التي أوصت بها الجهات الرسمية ممثلة بوزارتي الصحة والداخلية والأمن الوطني، ضرورة ارتداء الكمامة والقفازات واستخدام المعقمات الكحولية وكذلك التباعد الاجتماعي حتى لو كان داخل البيت.
وتقول إنها تفعل ذلك حرفيًا وتحرص دائمًا على استخدام المعقمات التي من شأنها أن تقتل الفيروس قبل وصوله.
لكن هذه المسنة تبدو في غاية الخوف والحزن بعد ثبوت إصابة ابنتها الكبيرة بالفيروس ونقلها قبل أيام إلى مستشفى غزة الأوروبي في محافظة خان يونس، الذي خصصته وزارة الصحة لمعالجة المصابين بالفيروس الذي ظهر في الصين، وتفشى في غالبية دول العالم في وقت قياسي.
وأضافت أنها أصبحت أشد حرصًا بعد إصابة ابنتها واحتمالية انتقال المرض لحفيدتها التي تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة حاليًا.
وبحسب تقارير صحية، فإن أعراض الإصابة بـ"كورونا" تشمل ارتفاعا في درجة الحرارة والإجهاد، والصداع والسعال، وآلام العضلات، وصعوبة وضيق في التنفس والكحة الجافة.
وانتقل الفيروس إلى قطاع غزة نهاية آب/ أغسطس الماضي، بعدما نجحت الجهات الرسمية من خلال إجراءاتها الصارمة في منع وصوله منذ ظهوره في الصين نهاية العام الماضي.
وكان الحكيم عمر جحجوح، من سكان معسكر الشاطئ، ضمن ضحايا الفيروس، وهو يخضع للعلاج في مستشفى الصداقة التركي جنوبي مدينة غزة.
وقال لـ"فلسطين": إن الفيروس انتقل للعائلة من خلاله بعدما أصيب به في أثناء تقديم العلاج للمرضى النزلاء في قسم الباطنة بمجمع الشفاء الطبي.
وأضاف لـ"فلسطين" أن المرض أصاب والدته وشقيقته وزوجة عمه ومولودها البالغ عمره 10 أيام.
وأبدى خشيته من أي مكروه قد يصيب والدته المتقدمة في السن، كون الفيروس يشكل خطرًا على فئة كبار السن أكثر من أي فئة أخرى.
وتابع، أنه يتصل بوالدته يوميًا وزوجة عمه كذلك، ويحاول بقدر الإمكان تقديم الدعم النفسي لهما باستمرار، كونه يشكل مضادًا حيويًا ضد الفيروس، ويوصيهم بممارسة الرياضة وشرب السوائل وعدم التسليم للمرض ومقاومته حتى التخلص منه قريبًا.
ووفقًا لتقرير جهاز الإحصاء الفلسطيني الصادر في أكتوبر/ تشرين أول 2019، يبلغ تعداد كبار السن في فلسطين 257,151 فردًا بما نسبته نحو 5% من إجمالي السكان، بواقع 169,503 فردًا يشكلون نحو 6% في الضفة الغربية، و87,648 فردًا 4% في قطاع غزة البالغ تعداد سكانه أكثر من مليوني نسمة.
وتمكن الفيروس من إصابة مئات المواطنين بغزة بينهم مسنون، وتسبب بحالات وفاة أيضًا، وفق إعلان وزارة الصحة.
فئة مهددة
وبينما نبَّه أستاذ علم الجراثيم في الجامعة الإسلامية د. عبد الرؤوف المناعمة، إلى أن فئة المسنين ليست معرضة للإصابة فقط، أكد أنها أيضًا معرضة لمخاطر الفيروس وتداعياته الخطرة على صحتهم.
وقال المناعمة لـ"فلسطين"، إن ما نسبته 18 بالمئة من أصحاب عمر 80 عامًا فما فوق معروضون لخطر الوفاة حال وصول الفيروس لهم وإصابتهم به، بينما من أعمارهم أقل من 70 عامًا فإن نسبة الوفاة للمصابين تقل إلى 12 بالمئة، وكذلك بالنسبة لمن أقل من 60 عامًا، تصبح نسبة الوفاة للمصابين 5 بالمئة، وكلما قل العمر تقل إمكانية الوفاة.
وأضاف: هناك علاقة وطيدة بين مضاعفات الفيروس والوفيات وارتفاع العمر بسبب ضعف المناعة في أجسادهم، موضحًا أن الأمراض المزمنة تصاحب كبار السن، وهي تسهل انتشار الفيروس في اجساد المصابين بـ"كورونا"، وتدمير بعض أجهزة الجسم.
ولفت إلى حملة توعوية ينفذها مختصون من الجامعة الإسلامية منذ وصول الجائحة الفيروسية لغزة، لحماية المواطنين وخاصة فئة المسنين من خطر الإصابة بالفيروس، وتوصي بضرورة حماية كبار السن. وكان شعار الحملة "حماية نفسك هي حماية لكبار السن".
يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية أشادت بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها الجهات الرسمية بغزة، وشملت اغلاق مناطق واسعة من القطاع الساحلي، وفيه خمس محافظات؛ وهي: شمال القطاع، مدينة غزة، المحافظة الوسطى، رفح وخانيونس، للحيلولة دون تفشي الفيروس ومحاولة لاحتوائه.