فلسطين أون لاين

تطريز برازيلي وفن تشكيلي.. مواهب ينضجها "حجر كورونا"

...
غزة- مريم الشوبكي:

خيط حرير زهري في خرم إبرة، يتسلل بين الفراغات الصغيرة لقطعة قماش "إيتامين" مشدودة على حلقة دائرية (تارة)، وتتبعه خيوط بألوان زاهية، يشكل غرزة السلسلة مرة، ثم تتطوع إبرتها لتنحني في غرزة الشجرة، ثم تنتهي بغرزة الوردة لتنتج لوحة ورد راقية.

تبدع هبة أبو الكاس برسم لوحات فنية بالتطريز البرازيلي، وهذا الإبداع تجلى بعد اكتشافها أن لديها موهبة تطريز مدفونة من أول غرزة خلال مدة الحجر المنزلي بعد تفشي فيروس كورونا في المجتمع المحلي بقطاع غزة منذ الـ25 من آب (أغسطس) الماضي.

في الحجر أخذت تعد العدة من "تارة" وقطعة قماش وخيوط حريرية، وبالتجربة والتدريب والتعلم من طريق فيديوهات عبر (يوتيوب) تعرفت إلى كيفية صنع غرزة، لتتدرج في ذلك حتى أتقنته وأصبحت مدربة تطريز برازيلي عبر الإنترنت.

هبة (21 عامًا) متعددة المواهب: الرسم التشكيلي، والحرف اليدوية بتشكيل عجينة السيراميك، والكروشيه، وتنسيق زهور، وليس آخرها التطريز البرازيلي.

الحجر الصحي يمثل لهبة حجرًا فنيًّا، تقول لصحيفة "فلسطين": "استمررت في ممارسة هوايتي في الرسم، وإنتاج الأعمال الفنية والأشغال اليدوية، أستطيع القول إنني في أزمة "كورونا" اكتشفت أن لدي مهارة مميزة في التطريز البرازيلي، وهو نوع من أنواع التطريز مثل التطريز الفلاحي والمدني، ولكن مختلف في التطبيق".

وتضيف: "لا قيود تحد الإبداع فيه، أصمم الشكل ثم أبدأ التطريز بغرزه المعروفة فأشكل أعمالًا فنية راقية ربما تأخذ نصف ساعة أو أكثر من ذلك حسب حجم اللوحة وتفاصيلها".

نشرت هبة لوحاتها على حساباتها في "فيس بوك"، و"إنستغرام"، حيث جذبت الكثير من الأصدقاء والمتابعين الذين عبروا عن إعجابهم بإبداعها في التطريز، لأنها ظهرت عليهم هذه المرة بشيء مختلف بعيدًا عن الرسم وتنسيق الورود.

ومن هنا توضح أنهم طالبوها بعقد دورة عبر الإنترنت لتعلمهم أساسيات التطريز البرازيلي، فالتحق بالدورة أكثر من 20 سيدة.

وخلال إعطائها الدورة اكتشفت هبة أن متدرباتها لديهن إصرار على التعلم رغم حجر التجوال ومنع الحركة، تقول: "تحدين كل المعيقات وأوجدن بدائل أخرى للخامات المحددة للتطريز، في سبيل تعلمهن واستثمار وقتهن بمهارة مكتسبة وشيء جديد".

وتضيف هبة: "منهن من فكت لوحات قديمة لديها وتدربت من جديد، بعضهن لعدم توافر قماش "إيتامين" لديها طرزت على شالتها، ومنهن من أتت بقماشة وشدتها على صينية وربطتها بحزام خصر ابنتها بديلًا عن "التارة"، ومنهن فكت خيوطًا من ستارة بيتها".

وتختم حديثها برسالة لكل سيدة لديها موهبة أو حس فني: "من لديها رغبة -ولو صغيرة- بجانب الفنون والإبداع والرسم لا تتردد في التعلم وخوض التجربة، فالرسام بيكاسو يقول: "كل طفل فنان"، المشكلة هي كيف يظل فنانًا عندما يكبر، فوجود كورونا ليس سببًا حتى يجعلنا نستسلم لأن الحياة لم تنتهِ وستعود لتستمر".

لوحات لـ"كورونا"

من خلف شاشة هاتفها الذكي ظهرت عطاف النجيلي وهي تمسك بريشتها وألوانها تناسب على لوحة ورقية تصور معركة الطواقم الطبية مع الفيروس، في الخلفية تسمع صوت موسيقا تمنحك الأمل والتفاؤل في خضم الأخبار المتسارعة عن عدد الإصابات والوفيات جراء فيروس "كورونا"، ببث مباشر عبر (فيس بوك).

عطاف (27 عامًا) فنانة تشكيلية من مدينة خان يونس، بدأت مشوارها الفني بإسفنجة وسكينة، حتى أصبحت تدخر مصروفها الشخصي، لتمتلك ريشة ولونًا تحاكي بهما قضايا المجتمع وتسلط الضوء عليها.

استخدمت موهبتها في توعية الناس خطر تفشي "كورونا" في المجتمع الغزي، ولم تغفل توجيه التحية وكامل الدعم للطواقم الطبية والأجهزة الأمنية لدورها الجبار في محاصرة الفيروس ومكافحته. وبلوحاتها سلطت الضوء على القطاع الصحي ونقص اللوازم الطبية ونقص الزي الرسمي لمكافحة فيروس "كورونا"، تقول: "من المهم تسليط الضوء على خطر انتشار الفيروس في قطاع غزة، الذي يعاني الازدحام السكاني، ومن المهم أيضًا إبراز دور الطواقم الطبية ودعمهم نفسيًّا ومعنويًّا".

وتؤكد عطاف أن الريشة هي سلاح ومقاومة من نوع آخر، فبالرسم يمكن إيصال رسالة هادفة تحقق ما تعجز الكلمات وأساليب التوعية عن إحداثه.

وأنتجت خلال مدة الحجر المنزلي لوحات خاصة بالكوادر الطبية، والأمنية، والصحفية.

والحجر المنزلي فرصة ذهبية لتصفية الذهن، والبحث في الذات عن مواهب لتطويرها وتنميتها واستغلالها في التفريغ النفسي، وفقًا لحديث عطاف.

وتدعو كل شخص أن يقاوم على طريقته، ليكون مصدر الأمل والتفاؤل بحياة غيره، لأن الفن في النهاية رسالة راقية، و"كورونا" هي شدة وستزول قريبًا.