تبذل حركة حماس جهودا كبيرة لمحاولة كسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع، ووقف الجرائم الإسرائيلية المستعرة بحق أهلنا في الضفة الفلسطينية، ومنها (مخطط الضم) والذي يأتي ضمن استحقاقات المشروع الأمريكي الإسرائيلي التصفوي للقضية الفلسطينية والذي أطلق عليه (صفقة القرن)، مستخدمة بذلك أدوات مختلفة ومنها تفعيل المقاومة بكل أشكالها، وتعزيز الجهود السياسية، ودعم كل الجهود الوطنية الرامية إلى تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام.
ويضطلع بهذا الدور المكتب السياسي للحركة وعلى رأسه القيادي إسماعيل هنية، والذي يمارس دورا فعالا في إعادة بناء العلاقات مع الدول والأحزاب السياسية، والتي كان مؤخرا ضمنها زيارة بيروت والالتقاء بعدة شخصيات مهمة في الساحة اللبنانية، وقد حرصت الحركة على لقاء كل المكونات السياسية والوطنية في لبنان ودول أخرى، لأنها تتمتع بمرونة كافية في بناء العلاقات، وتحرص على تبادل وجهات النظر، ومناقشة الرؤى المختلفة، وصولا إلى أفكار ومقترحات يبنى عليها مواقف داعمة للقضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة.
لذلك حرصت الحركة على تفعيل الساحات العربية للقيام بالأنشطة الوطنية والسياسية سيما وأن كثيرا من قيادات الفصائل تقيم في بلدان مختلفة، وتجد أنه من الصعب الالتئام في لقاء جامع على الأرض الفلسطينية، فالاحتلال يبعد جزءا من القيادات خارج الأراضي الفلسطينية، ويفصل الضفة عن القطاع، وبالتالي تم اختيار الساحة اللبنانية مؤخرا لعقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بحضور رئيس مكتبها السياسي.
فكان عقد اللقاء بمثابة خطوة مهمة في إطار توحيد الجهد الفلسطيني في مواجهة المخططات العدوانية التي تستهدف القضية الفلسطينية، خصوصا إذا ما تحدثنا عن حضور كافة الفصائل الفلسطينية بهذا المستوى القيادي، وحرصهم على إنجاحه والدعوة للبناء عليه، فالكلمات للأمناء العامين تقاطعت تماما مع دعوات ترتيب البيت الفلسطيني وانهاء الانقسام، بل والتأكيد على تفعيل المقاومة في مواجهة الاحتلال، فكلمة رئيس المكتب السياسي في هذا اللقاء عكست حرص الحركة على تقديم برنامج متكامل يمكن أن يشكل خارطة طريق للخروج من الازمات التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
فحديث حماس من خلال رئيس مكتبها السياسي عن ثلاثة مسارات يمكن أن يتم العمل عليها كبرنامج وطني يتفق عليه الجميع في الوقت الراهن لإدارة المرحلة المقبلة، بدءا من المسار الأول وهو ترتيب البيت الفلسطيني لما له من أهمية في تقوية شوكة الفلسطينيين وتجميع قواهم الحية وانهاء حالة الخلاف والتناحر السياسي، وصولا للمسار الثاني من خلال تفعيل المقاومة بكافة أشكالها، لقناعة الحركة أن كل الشعب الفلسطيني مقاوم وأن الفلسطيني يستطيع مناصرة قضيته والدفاع عنها بالوسائل المتاحة في أي بلد، وأنه لا يمكن تفعيل جانب وترك الآخر بل يجب أن نتحرك سياسيا وعسكريا وشعبيا وقانونيا في كل اتجاه يمكن أن يخدم شعبنا.
وانتهاء بالمسار الثالث في بناء تحالف قوي في المنطقة يتبنى استراتيجية المقاومة، وهذا ما يمكن أن نعتبره من أهم الخطوات الداعمة للقضية الفلسطينية، لأن المقاومة تحتاج لظهير إقليمي بل لتحالف وتكتل قوي يصطف إلى جانبها ويمدها بأشكال مختلفة من الدعم، لزيادة زخم الفعل المقاوم وتعزيز الصمود، خصوصا في ظل بناء تحالفات مع كيان الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، والتي كان آخرها التحالف الاماراتي الإسرائيلي.
فالرجل يختم مسارات حماس الثلاث من قلب بيروت، ليبرق بالتحية لشعبنا الفلسطيني على صموده في وجه العدوان، معتبرا أن غزة ردعت العدو، في إشارة للجولة الأخيرة التي ادارتها المقاومة بحكمة واقتدار ومسؤولية، والتي أفرزت نتائج مهمة مكنت المقاومة من إلزام العدو بتنفيذ التفاهمات وزيادة، وعكست في ذات الوقت براعة قيادة حماس في غزة، وخصوصا القائد يحيى السنوار، لتظهر قدرته على ممارسة الضغط على الاحتلال بوسائل تكاد تكون من (العصر الحجري) وإدارته للحوارات مع الوسطاء بكل حرفية وجرأة.
فهذا الخطاب المتناسق المتكامل لحماس لم يغفل التأكيد على أن غزة ليست مكانا للدولة ولن تكون خارج الدولة، ردا على كل الاقاويل والاشاعات والمحاولات المسمومة لتشويه نضال شعبنا في أنه يمكن أن يقبل دولة في غزة، ورفضا لكل الأفكار والمقترحات التي يحاول العدو وحلفاؤه تسويقها، فكان ذلك قولا فصلا لا يحتمل التأويل، وفي ذات الوقت جاءت الكلمة لتعزز مكانة الفلسطينيين في المخيمات، وتبرز دورهم في دعم الاستقرار داخل لبنان، بما يشكلون من زخم حقيقي للدولة اللبنانية وللشعب الفلسطيني، مستبشرة بأنهم سيكونون بوابة للتحرير.
وقد أفردت حماس أهمية خاصة للمقاومة في لبنان في سياق الكلمة لاعتقاد الحركة أن المقاومة في لبنان هي أحد أهم التكوينات الحية والمركزية الداعمة لمقاومة الشعب الفلسطيني، وهي لبنة قوية في مشروع بناء التحالف العربي والإسلامي لمقاومة الاحتلال في المنطقة، وعرفانا لفضل هذه المقاومة وقيادتها على كل ما قدم ويقدم لمساندة المقاومة، فعلا نجحت حماس ومن خلال خطابها المتوازن وحراكها السياسي المنضبط في تخطي كثير من العقبات وترميم العلاقات في جزء من المنطقة والعالم، وحافظت على قوة رادعة في جعبتها منطلقة من غزة والتي شكلت رافعة للعمل السياسي بل للقضية والمشروع الوطني برمته.