فلسطين أون لاين

علاقة الأزواج في زمن كورونا

...
ناهد الطيبي- محامية

أعاد فيروس كورونا تشكيل علاقاتنا الشخصية بطرق غير مسبوقة، فقد أُرغمنا على الحجر المنزلي تحت سقف واحد مع أفراد عائلاتنا وأزواجنا والتواصل معهم على مدار الساعة، وفرضت إجراءات التباعد الاجتماعي على معظم الناس العزلة عن الأصدقاء والأهل الذين نلجأ إليهم عادة في أوقات الشدة، وتوقفت أنشطتنا الترفيهية التي كانت تساعدنا في التغلب على الضغوط النفسية، وقد تسبب ذلك في ارتفاع الشقاق والنزاع بين الأزواج، وبالتالي قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق بينهم، إذ إنّ ضغوط الفيروس والعزلة القسرية تُرهق الأسر وتؤدي إلى الانهيار في العلاقات الزوجية، فالوباء يضع عدسة مكبرة على العلاقات ويُظهر التشققات في بؤرة تركيز أكثر حدة، فيجد الأزواج أنفسهم يجلسون في البيت طوال ٢٤ ساعة، وأنّ كل شيء في حياتهم تغيّر وانقلب رأسًا على عقب، وقد تصل العلاقة إلى ما لا يُحمد عقباه، فالأزواج في هذه المرحلة سيتعرف كل منهم إلى الآخر أكثر ويكتشفون الاختلافات في شخصياتهم، وسيدركون تمامًا أنّ أسباب الشجار بينهم تافهة جدًّا؛ ولكنها كفيلة بإشعال أعصابهم وجَعْل أصواتهم تصل إلى الجيران بسهولة، ربما يعود هذا إلى الخوف من الإصابة بالمرض ولتوقف الحياة وتأجيل الخطط والطموحات لأجل غير مُسمّى، أو لأنهم يعيشون غريبين تحت سقف واحد، أو لأنها هي المرة الأولى التي يرون فيها بعضهم من قرب مدة طويلة، والجميع تحت تأثير الضغوط النفسية والعصبية جراء كورونا، وقد يزيد وجود الأطفال من العبء على الأزواج والصراع بينهم.

ويمكن تقسيم الأزواج إلى صنفين متناقضين من العلاقات الزوجية: الأول: يؤكد زيادة الانسجام والترابط الأسري بينهما، وأنّ هذه المحنة تحولت إلى منحة كي يكتشف الزوجان كل منهما الآخر من أول وجديد، أما الصنف الثاني: فيرى أنّ الحجر المنزلي أشعل الأعصاب، وألهب الشجارات، وفاقم الخلافات، ولكي يتفادى الأزواج الشجار والخلاف بينهم؛ فلا بد أنْ يتحلّوا بالهدوء والتروّي في مدة الحجر المنزلي، وتحديد أدوارهم في البيت بوضع خطة لأعمال اليوم، وأنْ يفهم كل طرف دوافع واحتياجات الطرف الآخر، ويعطيه جرعة جيدة من الاستماع الفعّال والتواصل الإيجابي، بقضاء وقت ممتع نوعي ومميز معًا، والتعبير عن مشاعر المحبة اللطيفة بطرق مبدعة.

أما إذا شعروا بأنّ الوضع بينهم خطير ووصل لمرحلة اللا عودة، فالابتعاد مدة وجيزة لكلا الطرفين هو الحل المؤقت إلى حين الهدوء، فمثلًا يختار كل طرف غرفة ويجلس فيها ليريح أعصابه ويستعيد توازنه، وفي لحظة الهدوء والروقان تناقش الخلاف بكل أريحية للوصول إلى الحل المناسب للخلاف بينهم.

وفي النهاية وعمومًا إنّ الإجهاد النفسي إما أنْ يُقرّب الزوجين أو يُفرّقهما، فإذا كانت العلاقة صحية فإنّ الضغط النفسي سيجعلها أقوى، أما إذا كانت غير صحية فإنّ الضغط النفسي سوف يدفعهما إلى أسوأ مما يتخيلان، وفي خلال المدة المقبلة سيضطر بعض الأزواج لمواجهة الحقيقة العارية لعلاقتهما، وسيكون هناك الكثير من الضغوط العاطفية لمواجهة تفاقم الضغط الوجودي لوباء كورونا، ولهذا السبب ستصبح المرحلة القادمة مهمة جدًّا للحفاظ على العلاقات الزوجية وإصلاحها، إنْ أمكن.