فلسطين أون لاين

السّنوار يعرف من أين تُؤكل الكتف

ما لفت نظري خلال اليومين الماضيين الهجمة الشرسة التي يقودها عدد من الصحفيين "الإسرائيليين" وبعض السياسيين ضد حكومة نتنياهو ووزرائها البارزين حيث يتهمونها بأنها انكسرت أمام قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار في جولات متعددة من المفاوضات، وأن السنوار استطاع تحقيق مكاسب لصالح شعبه الفلسطيني في غزة.

ربما آخر جولة وليست الأخيرة كانت المفاوضات التي توسطت فيها قطر بجهود مكوكية بذلها السفير محمد العمادي بين المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس وبين الاحتلال وحكومته ووزرائه.

بعض وجهات النظر على مواقع التواصل الاجتماعي - ومن بينها بعض أبناء حركة حماس نفسها - كانت مُشمئزة من تتويج الاتفاق فور الإعلان عن التوصل لاتفاق بينهما؛ لكن وعلى قول المثل: "بكرة بيذوب الثلج ويبان المرج"، حيث انبرى هؤلاء "الإسرائيليون" في الهجوم على حكومتهم التي تفوّق السنوار عليها في جولة جديدة - كالعادة - على اعتبار أنه هو من كان يقود المفاوضات بنفسه.

وباستعراض سريع يقول جال بيرغر وهو صحفي "إسرائيلي" مختص في الشأن الفلسطيني: "خرج السنوار فائزاً من الجولة الحالية،‏ وهذا من شأنه أن يساعده كثيرًا في الانتخابات التمهيدية داخل حماس، ‏تمكن السنوار من الحصول على 34 مليون دولار من قطر لهذا الشهر، 10 ملايين دولار للوقود، وجزء كبير من الأموال يذهب لرواتب موظفي حماس، و10 ملايين دولار للأسر الفقيرة، و7 ملايين دولار لضحايا كورونا والمزيد من الأموال لتوظيف 5000 مسؤول جديد في وزارتي الصحة والداخلية في حماس لمدة 3 أشهر، وباقي الأموال ستذهب إلى البلديات والجامعات وتزويج الشباب ومشاريع البناء، يا له من خير". بحسب بيرغر.

أما نوعام أمير، الخبير العسكري "الإسرائيلي"، فقط كتب يقول في مقاله بصحيفة مكور ريشون: "إسرائيل بطلة على إيران، ضعيفة أمام حماس، ويثير النظر (..) أسئلة عن استراتيجية "إسرائيل"، ففي ساعة واحدة، هاجمت أهدافا بدمشق، وتوصلت لاتفاق مع حماس بغزة، التي استخدمت أكثر الأسلحة بدائية منذ اختراع "الشُديدة"، وخرق القماش المبللة بالكاز والبالونات، ونجحت الحركة بإخراج "إسرائيل" عن توازنها، وأدخلتها بحالة من الجنون، واستدراجها لمعركة مباطحة الأيدي، التي انتهت مجددا باحتواء إسرائيل لهذا الواقع، وتنفيذ مطالب حماس، والامتناع عن مواجهتها".

وعلى غرارهما يقول المراسل العسكري لصحيفة مكور ريشون: "دخلنا أبو ظبي وسط ترحيب عربي غير مسبوق، وضربنا دمشق دون أي مقاومة، لكننا فشلنا في غزة".

بينما يقول أفرايم بارليف من معهد الدراسات الأمنية "الإسرائيلي": "حكومة نتنياهو فقدت الردع أمام بلالين حماس، غانتس ويعلون وليبرمان كانوا يرددون ليل نهار بأنهم لن يسمحوا بدخول المال القطري إلى غزة تحت نيران الصواريخ، اليوم كيف سيرفعون وجوههم أمام الجمهور الإسرائيلي؟ أين من تعهدوا بإعادة الجنود أولاً، وإلا سيقطعون الهواء عن غزة".

أما يوني بن مناحيم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" – أمان؛ فيقول: "بالفعل لقد صرخت إسرائيل قبل حماس في معركة عض الأصابع الأخيرة، وقدمنا المزيد من التنازلات تحت ضغط البالونات، فكيف لو وصلنا لجولة تصعيد عسكرية؟".

على هذا النحو كانت ردود الأفعال الصارخة في الكيان المحتل على جولة المفاوضات الأخيرة التي كانت بطلتها بلالين تكلفة الواحد فيها أقل من 1 شيكل.

القائد أبو إبراهيم السنوار يعرف من أين تؤكل الكتف، ويفهم ماذا يفعل، ويتقن إدارة المفاوضات مع الاحتلال تحت النار وفوقها، لقد مكث الرجل في سجونهم 23 عاما فهم من خلالها كيف يفكرون، وعلى الرغم من أنه يتعرض لبعض الانتقادات هنا وهناك وبين الفينة والأخرى؛ إلا أنه من الشخصيات النادرة التي نجحت بامتياز في إحداث اختراق في استراتيجية تفكير العدو وكسر أنفته ولي ذراعه عدة مرات، كانت آخرها جولة مفاوضات البلالين، وليست الأخيرة.