"هل سبق أن استيقظت من نومك، وتفاجأت بأنك لم تعد قادرًا على الشم، هكذا فجأة، أصبحت أجمل عطورك، ورائحة السجائر، والقهوة، وحاوية القمامة التي يحرقها أحدهم على ناصية الشارع، كلها سيان؟!، تخيل أنها تتسلل لأنفك برشاقتها المعهودة، متأهبة لغزو روحك، ثم تسقط عند طرفه ميتة!، الروائح كائنات شفافة، تبني علاقات مع الأرواح، تأتلف وتختلف مثلها، ومع الوقت يصبح بعضها في مقام الصديق، أما كنت ستحزن لو أن صديقك مات؟!".
- كيف حالك؟
- لست بخير؛ مات اليوم بعض أصدقائي.
هذا ما استهلت به حديثها سماهر الخزندار (43 عامًا) التي أصيبت قبل عدة أيام بفيروس كورونا، فنقلت إليها العدوى في أثناء تأدية عملها في وزارة الصحة.
مع اكتشاف أولى حالات الإصابة خارج الحجر الصحي بدأت حالة الاستنفار في البيت والعمل، وبدأت مع الطاقم العامل في الوزارة تطبيق خطة الطوارئ، بمبادرة منها لتكمل مهامها على أكمل وجه.
عن حيثيات الإصابة تتحدث إلى صحيفة "فلسطين": "اجتمعنا فريقًا لنحدد المطلوب إنجازه، وواحد منا شعر بتعب وقال لنا: "على سبيل الاحتياط سأجري فحص كورونا"، وبعد ظهور النتيجة أخبرت بأنها إيجابية، ويجب أن أحجر نفسي تحسبًا لأي أمر وللحفاظ على أبنائي، والتزمت إحدى غرف البيت حتى إجراء فحص خاص بي".
هاتفها أحد زملائها ليخبرها بأن النتيجة سلبية، خرجت من غرفتها هاتفة بها، فقدم إليها طفلها واحتضنها، لكن مكالمة أخرى أخبرتها بأنها ضمن قائمة "Positive"، صمتت وتمالكت ردة فعلها أمام أبنائها الذين يترقبون ملامحها، لتجيب المتصل: "قدر الله وما شاء فعل"، تقول عن تلك اللحظة: "ارتديت كمامتي مجددًا، وحملت بخاخة الكلور لرش بها كل مكان خطته قدماي".
أما أبناؤها فبعضهم قد تأثر، وآخرون حاولوا إظهار أنفسهم بأنهم على قدر من المسئولية، ووعي بالأمر، أما زوجها فلم يستوعب الأمر في بادئه وطلب منها إعادة الفحص مرة أخرى، ولكنه سلم أمره لله، ونقلت إلى العزل الصحي.
تضيف سماهر: "قد يخالف هذا تخيل كثير منكم، لكنني لست منهارة أبكي ابتلائي في زاوية غرفة الحجر، أؤكد لكم أنني قوية كما عرفتموني دومًا، أتعامل مع تفاصيل الحجر اليومية، وأوجع رأس عامل النظافة بطلب المعقمات، وآخر لإصلاح النافذة المتضررة من القصف، أو لوصل شبكة الإنترنت العنيدة".
وتتابع: "أنا قوية أرد على عشرات المكالمات الهاتفية، من المقربين حتى الغرباء، وأتعامل مع قلقهم ومخاوفهم، عليّ وعلى أنفسهم، وأجيب عنت تساؤلاتهم، وأكرر إجاباتي عن أعراض المرض "الخفيفة" دون ملل أو تذمر؛ عشرات المرات، طوال اليوم، حتى إنني لا أكاد أجد وقتًا للصلاة أو تناول مشروب ساخن نصحني به جميع من هاتفوني".
"أنا قوية، أبتسم لزوجي وأبنائي حين أكلمهم عبر شاشة الهاتف، في حين يبتهل قلبي لله أن احفظهم ولا تريني فيهم بأسًا يا الله، أنا قوية، أستطيع أن أعترف بقلقي أمام نقص علمي، مع يقيني بكمال رحمة الله، ولكني أعرف أن الإصابة ليست النهاية، وأنني بإذن الله أستطيع المقاومة، لكنني ما زلت لا أستبعد أيًّا من الاحتمالات".
وتوضح أنه قد لا تشكل الإصابة بكورونا خطرًا عليك، لكن التهاون في حمله للفئات الهشة جريمة.
وكتبت عبر صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك): "الصباح الأول بعد هدوء عاصفة المشاعر، بالأمس حين أضاء النهار هذا المشهد، شعرت بالغضب؛ لماذا علي أن أراه من نافذة مستشفى؟!، لماذا نعيش في مكعبات أسمنتية تقتل مدانا البصري المتواضع، وتكمم مشاعرنا؟!، إنه ليس الريف الإنجليزي، أعرف، لكنه مساحة مفتوحة، ونحن نختنق بانغلاقنا".
وتجد سماهر اليوم نفسها أنها ربما أمام فرصة حقيقية لتسترد عافيتها، وبدأت تفكر بأخذ المطالبات التي أجمع عليها كثيرون ممن هاتفوها بأن عليها أن تخرج لهم من الحجر بنص طويل جديد، على محمل الجد.