منذ اللحظات الأولى والعدو يحاول التهرب من مسؤولياته تجاه قطاع غزة من خلال حديثه أن أطرافًا أخرى في العالم هي المسؤولة عما يحدث وأنه ليس لـ"إسرائيل" علاقة بالأوضاع الإنسانية المتدهورة بالقطاع، وبالتالي عدم إلزام نفسه أيَّ مطالب تقدمها قيادة المقاومة في غزة وفي ذات الوقت يبدي موافقته المبدئية على المساعدة في تقديم المعونة للقطاع في مواجهة فيروس كورونا ولكن ذلك جاء مشروطًا بوقف البالونات.
فالاحتلال وعلى الرغم من فرضه حصارًا مطبقًا منذ ما يقارب 14 عامًا ما زال يراهن على انكسار المقاومة وسقوط غزة، لذلك لا يمكنه بحال القبول بهذا السقف من المطالب والتي في جلها تشكل كسرًا للحصار الإسرائيلي نهائيًّا عن القطاع، والذي فرض بقرار إسرائيلي وتأييد ودعم دولي بعد فوز حركة حماس بالانتخابات، وهذا يتطلب خطوات غير عادية تنطلق من قطاع غزة مدعومة بجهود إقليمية ودولية لإزاحة هذا الحصار عن القطاع.
لأن العدو الإسرائيلي يعتقد أن كسر الحصار ورفع القيود يمكن أن يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنه، ويفسح المجال أمام قيادة المقاومة لتطوير قدراتها وتحسين بنيتها وفتح خطوط إمداد جديدة وبناء تحالفات مع جماعات وأنظمة في المنطقة بصورة أكثر قوة، وبالتالي تنامي هذه القدرة واستخدام ذلك في مواجهة "إسرائيل" التي تحاول إبقاء الشعب الفلسطيني مشتتًا ومبعثرًا يعيش في أماكن وكانتونات معزولة، ويفتقد أي تواصل جغرافي ويعيش في وحل المعاناة المتفاقمة، ولا يفكر بالمقاومة والتحرير وإنما فقط يشغله توفير حاجاته المعيشية الضرورية.
وقد ظهر ذلك من خلال جولات ممتدة للوسطاء سواء المصري أو القطري أو جهود المبعوث الأممي، والتي كانت أحيانًا تفرز تفاهمات مختلفة سرعان ما يتهرب العدو من التزامها، مع عجز الوسطاء عن تقديم الضمانات حول هذه التفاهمات، ففي كل مرة يحرق العدو مزيدَا من الوقت ويراوغ لفترات طويلة حتى لا يقدم شيئًا حقيقيًّا، وإنما ما يسمح به يكون في إطار الاستهلاك اليومي أو الأسبوعي أو حتى الشهري ولكن من النواحي الاستراتيجية لم ينقل القطاع لحلول جذرية ترفع المعاناة عن أهلنا وشعبنا.
وهذا ما يدفع قيادة المقاومة هذه المرة للحديث بكل صراحة أننا لن نقبل بأقل من كسر الحصار، وقد تواترت التصريحات والتهديدات بهذا الخصوص والتي تزامنت مع جهود يبذلها الوفد الأمني المصري ثم المبعوث القطري، والتي باعتقادي حتى الآن لم تفضِ لنتائج ملموسة لأن الاحتلال يحاول الالتفاف على المطالب وتخفيض سقفها لأدنى مستوى وهذا ما ترفضه المقاومة.
وتدرك المقاومة أن الاحتلال لن يجثو على ركبتيه وينصاع إلا إذا تضرر أمنه وهددت مصالحه، وهذا ما يبقي الوسائل الشعبية حاضرة وتتصاعد شيئًا فشيئًا مع تنقيط بعض الصواريخ بين الفينة والأخرى، في إشارة لخطوات أكثر قسوة ربما تدخل قريبًا على الخط، لأن من فرض الحصار بالنار لن يرفعه إلا بالنار التي تأكل الأخضر واليابس، لذلك فإن فتح الأبواب الموصدة يحتاج لمطارق من حديد، لكن حكمة المقاومة تدفعها لممارسة الضغط على الاحتلال بمستويات مدروسة ضمن سياسة التدرج في التصعيد وصولًا إلى الذروة حتى يرضخ الاحتلال ويأتي صاغرًا أمام مطالب غزة.
وقد لخص ذلك البيان الذي خرج على لسان قائد المكتب السياسي إسماعيل هنية محملًا الاحتلال المسؤولية عن رفضه وتعنته، ومطالبًا جهات أممية بالتدخل، مع تثبيت الخطوط العريضة ومنها لن يتم قبول خطوات أقل من كسر الحصار، في إشارة لموقف حماس وباقي الفصائل التي باتت أكثر تمسكًا وصلابة أمام هذا المطلب.