فلسطين أون لاين

في إطار مواجهة "كورونا"

محال تجارية في أحياء غزية تتفنن بالطرق الوقائية

...
غزة- مريم الشوبكي

أغلق باب محله الزجاجي الشفاف وأبقى على درفة واحدة، على بعد مترين من المدخل وضع طاولة خشبية غطاها بقطعة قماش ملونة، على جنباتها رص أكياس الدقيق وصناديق المشروبات الغازية، بحيث لا يتسع المكان لأكثر من شخصين.

اصطف رجلان كلاهما يلبس كمامة، قبل أن يقتربا أكثر, طلب منهما صاحب المحل جلال أبو كميل أن يبتعد كل منهما عن الآخر مسافة بلاطتين، الأول أخبره بطلباته من القهوة والسكر وبعض المثلجات.

تجول أبو كميل (30 عامًا) في محله الواقع بحي الدرج شرقي مدينة غزة وهو يرتدي كمامته الزرقاء وقفازيه الأبيضين الرقيقين بين الأرفف ليجلب الطلبات، تناول كيسًا أسود وضعها داخله، ناولها لزبون ثم طلب منه وضع النقود على الطاولة، أمسك ببخاج به خليط من الماء والكلور ومطهر (الديتول)، يرش بعض الرذاذ ليعقمها ثم يتناولها ويضعها في صندوق الطاولة.

وفي يوم الثلاثاء عند إعلان وزارة الصحة الفلسطينية اكتشاف بعض الحالات المصابة بفيروس "كورونا" المستجد (كوفيد 19) داخل المجتمع الغزي وفرض حظر التجوال، أعلن أبو كميل حالة الطوارئ مع تهافت أهالي الحي على شراء السلع والمواد الغذائية التموينية.

عقم أكياس وصناديق المواد الغذائية والمعلبات لديه، ثم قرر أن يبدأ بنفسه تطبيق إجراءات الوقاية، والتباعد بينه وبين الزبائن، ومنع لمسهم البضائع داخل المحل.

نعم، ليس لدى محل أبو كميل جهاز تعقيم يمر الأفراد عبره كما هو معمول به في المولات التجارية، ولكنه يجتهد بإمكاناته البسيطة من أجل حماية نفسه وزبائنه من الإصابة بالفيروس.

من يمر بـ(السوبرماركت) للوهلة الأولى يتفاجأ بالإجراءات التي اتخذها أبو كميل على غير عادته، وما يلبث أن يتقبلها ويتعاون معه، متفهمًا أن ما يفعله يضمن سلامته من الإصابة بـ"كورونا".

الإقبال على شراء السلع مساء إعلان حالات إصابة بـ"كورونا" داخل المجتمع توقعه أبو كميل، يقول: "ولكن رويدًا رويدًا بدأت الناس تتأقلم".

بعضٌ ليس مدركًا خطر الإصابة بالفيروس ويتعامل بعدم مبالاة مع الأمر، من واقع عمله ينصح بعدم إرسال الأطفال لشراء الحاجيات خوفًا من انتقال المرض لديهم، وإنما تبضع رجل بالغ لاحتياجات أسرته الأسبوعية دفعة واحدة دون العودة الشارع مرتين وأكثر.

هناك من يتهاونون بلبس الكمامة والقفازين، يطالبهم بالتحلي بالوعي والمسئولية المجتمعية لمنع تفشي فيروس كورونا بوتيرة أسرع.

ساتر من الصناديق

وعلى بعد أمتار باتجاه الغرب كان (سوبرماركت) آخر حذا حذو سابقه بتطبيق إجراءات الوقاية والتباعد بين زبائنه، إذ وضع ساترًا من صناديق المشروبات الغازية المعقمة من الشركة الموزعة على بعد مترين من مدخل المحل الذي يقع في حي شعبي.

كان حسونة عطا الله يَهم بتعقيم الأرفف والسلع المتراصة عليها، فدخل عليه زبون يريد شراء بعض السلع التموينية فسر بما رأى، فعرض عليه فكرة عزل المحل عن مدخله، بحيث لا يلمس الزبون أي سلعة من السلع التي عقمت وربما يتراجع عن شرائها لعدم حاجته وبذلك يذهب تعقيمه هباء منثورًا.

أعجبت عطا الله الفكرة وطبقها على الفور، لأنها تضمن وقاية أكثر له ولمرتادي المحل الذين ربما بعضهم لا يلتزم بإجراءات الوقاية بإهمال لبس الكمامة والقفازين.

حينما تقف على الساتر تجد أمامك علبة بلاستيكية بها محلول من الكلور والماء، ينصت عطا الله لطلباتك ثم يجلب الأغراض المطلوبة التي عقمت مسبقًا ويضعها في كيس بلاستيكي أسود، يربطه ثم يرشه بسائل تعقيم وهو يرتدي قفازيه وكمامته القماشية البيضاء.

ثم يطلب من الزبون وضع ثمن السلع من النقود على إسفنجة بها معقم من الكلور، وبعدها يتناول النقود بقفازيه ويسقطها في العلبة البلاستيكية المليئة بالسائل المعقم، أما الورقية منها فيرشها بالبخاخ قبل وضعها في صندوق النقود.

كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساء، حين قطع هدوء الشارع إلا من بعض المارة صوت سيارة الشرطة: "أهالي الحي الغوالي، الرجاء التزام البيوت، وعلى المحال إغلاق أبوابها التاسعة مساء بدءًا من اليوم الجمعة، وخليك في بيتك علشانك وعلشانا".