فلسطين أون لاين

"المجرم استخدم مواد مشتعلة لا توجد إلا مع الدول والجيوش"

الشيخ صبري يروي تفاصيل الحريق المشؤوم للمسجد الأقصى

...
الشيخ عكرمة صبري في رحاب المسجد الأقصى (أرشيف)
القدس المحتلة/ مصطفى صبري

صباح يوم 21 أغسطس/ آب 1969، عند الساعة السادسة والنصف، ارتفعت ألسنة اللهب في سماء القدس المحتلة، وإذ بالنيران تشتعل في الجناح الشرقي للجامع القبلي في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك.

رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ د. عكرمة صبري، كان يومها موظفًا في دائرة الأوقاف بالقدس، يروي لصحفية "فلسطين"، التفاصيل المؤلمة لدخول المجرم "مايكل دينس روهن" ومعه مواد شديدة الاشتعال لإحراق المسجد المبارك.

يقول صبري إنه بعد أداء صلاة الفجر، لم تكن هناك أي بوادر على وجود مخطط مرعب لحرق المسجد الأقصى، فالأوضاع الميدانية هادئة، إلا أنه بعد ذلك بوقت قليل وقع المحظور بحرق المسجد القبلي، ودخول النيران إلى منطقة منبر صلاح الدين والمحراب.

وعن كيفية دخول المجرم، أوضح أن هناك تقصيرًا كان من أحد الحراس، فُصل بعد جريمة الحريق، حيث تظاهر المجرم بأنه سائح، ودخل المسجد القبلي مبكرًا ومعه مواد مشتعلة بحقيبة على ظهره، ونفذ جريمته من خلال تلك المواد التي لا توجد إلا مع الدول والجيوش.

ولفت إلى أن وجود تلك المواد المشتعلة يدلل على أن هناك من كان يقف خلف المجرم لحرق المسجد الأقصى، وأنه بعد إلقاء المقدسيين وحراس المسجد القبض عليه، اختفى مصيره بسرعة، حتى لا يكون أداة إدانة في المستقبل لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أيضا دليل على مسؤولية الأخيرة عن الحريق.

وبين صبري أن حراس الأقصى أكدوا بعد تشكيل لجنة تحقيق أن المجرم كان يتجول قبل تنفيذ الجريمة في ساحات المسجد، في مَهمة استطلاعية، منبها إلى أن هذا ينفي أنه مختل عقليا كما ادعى الاحتلال، فهو خطط ونفذ.

"مشهد المقدسيين وهم يساهمون في إطفاء الحريق ما زال محفورا في ذاكرتي، فالكل توجه للمسجد لإطفاء الحريق من خلال نقل التراب والماء بالأواني وبشكل بدائي، فألسنة اللهب كانت تُشاهد من بعيد، والناس يهللون ويكبرون ويبكون على مسجدهم وهو يحترق أمامهم، بهذا الشكل المرعب المخيف"، يوصف المشهد.

ودلل صبري على مساهمة الاحتلال في الحريق، بقطعه الماء عن المسجد الأقصى قبيل تنفيذ الجريمة، وأثناء الحريق، فلم يكن هناك مياه لإطفائه، حيث تم إحضار المياه من البيوت المجاورة من خلال التوصيل يد بيد في طابور طويل، فالكل كان داخل المسجد يساهم في إطفاء الحريق بشكل شكّل درعا واقيا للمسجد حتى اليوم.

جيل المقدسيين

وقال إن جيل المقدسيين الذي ساهم في إطفاء الحريق أنجب جيلًا يحافظ الآن على المسجد من الحرائق التي تنشب بين الحين والآخر من خلال الاقتحامات والحفريات والمشاريع التهويدية في محيط المسجد المبارك، مؤكدًا أن أهل القدس ومن معهم من الأراضي المحتلة عام 1948 يشكلون الدرع الحامي الذي يقف في وجه الاحتلال.

يصف اليوم التالي للحريق، بقوله: كان يوم الجمعة، وأعلنت الهيئة الإسلامية العليا في مؤتمر صحفي إغلاق المسجد وتحميل الاحتلال المسؤولية، والبدء بحملة تبرعات، وتشكيل لجنة تحقيق عاجلة، وكان تعطيل صلاة الجمعة رسالة إلى العالمين العربي والإسلامي بضرورة التحرك العاجل لنصرة المسجد المبارك.

وأضاف أن الجمعة التي تلتها، كانت الخطبة لوالده قاضي القدس الشيخ سعيد صبري، والتي تضمنت الحديث عن جريمة الحرق للمنبر والمحراب، وقد كان والده آخر من خطب على منبر  صلاح الدين قبل جريمة الحرق، وكان أول من صعد المنبر بعد الجريمة على منبر صنع مؤقتا.

وتابع: "كانت الأجواء في تلك الجمعة أجواء حرب، فالكل مصدوم من الجريمة التي أتت على المنبر والمحراب والقبة المجاورة، ولولا تدخل المواطنين السريع لكانت الكارثة أكبر، ولو لم تكن صلاة الجمعة داخل المسجد القبلي الذي تعرض للحرق، بل لكانت في الساحات والدواوين والمصاطب".

وبعد الحريق، يضيف صبري، عُقد مؤتمر الرباط في نوفمبر/ تشرين الثاني بالمغرب، وشُكّلت منظمة التعاون الاسلامي التي كانت تحمل اسم المؤتمر الإسلامي في البداية، وكانت رئيسة وزراء الاحتلال وقتها جولدا مائير، تنتظر النتائج وتخشى إعلان حرب على دولة الاحتلال، إلا أنه وبعد ظهور القرارات، تجرأ الاحتلال بعدها على المسجد المبارك.

لم نرفع الراية البيضاء

وعن الإنجازات الميدانية في ظل الذكرى المشؤومة، يقول صبري: "نحن كمقدسيين ومرجعيات إسلامية لم نرفع الراية البيضاء، كان هناك ترميم المسجد القديم أسفل المسجد القبلي، وترميم المسجد المرواني، وفتح مبنى باب الرحمة، ورفض البوابات الإلكترونية، ورفض التعاطي مع محاكم الاحتلال، بالرغم من حملات الإبعاد والاعتقال والاقتحامات التي بدأت تطبّق جريمة التقسيم المكاني والزماني".

وأضاف "نحن في القدس نعتمد على الله ثم على أنفسنا في حماية المسجد الأقصى، في ظل الظرف الحالي"، لافتا إلى أن شرطة الاحتلال تهيمن على أبواب الأقصى وتمنع الترميم  وتسحب صلاحيات مديرية الأوقاف، والعرب والمسلمون لا يدعمون القدس في مؤتمرات القمة إلا بالفتات، فيما يهود العالم يدعمون جماعات "الهيكل" المزعوم بدون سقف من ملايين الدولارات.

وما زال الشيخ صبري يحتفظ من لحظة الحريق يوم أن كان عمره 24 عاما، ببدلته، كشاهدٍ على أكثر المجازر وحشية وإجراما تجاه المسجد الأقصى، ويقول: "أحتفظ بالبدلة حتى يومنا هذا؛ لأنها عشقت رائحة الأقصى، وتعبقت بدخان حريقه الذي أشعله الإسرائيليون".