عندما تسمع عن فلسطيني عمل في الأطر الطلابية في الجامعات المحلية وكان ناشطًا بحق، ومن ثم انطلق للعمل العسكري قبل الزج به في سجون الاحتلال التي حولها إلى أكاديمية تعليمية له، ليصبح لاحقًا من قادة الحركة الأسيرة، فالحديث يدور هنا عن الأسير عبد الناصر عطا الله عيسى، ابن كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.
ولد الأسير عبد الناصر في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 1968 في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وبعد عام من ميلاده أصدر الاحتلال أمرًا عسكريًا بإغلاق منزل العائلة أو هدمه، وبعد ذلك قررت عائلته الانتقال للسكن في مخيم بلاطة، وتزامن ذلك مع اعتقال والده "أبو شاكر" والحكم عليه بالسجن سبع سنوات.
منذ نعومة أظافره شارك عبد الناصر في الاحتجاجات والتظاهرات المناوئة للاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كحال أطفال فلسطين.
وكان أيضًا من المشاركين في تظاهرة يوم الأرض سنة 1976، وأصيبت آنذاك شقيقته الكبرى بالرصاص الحي. وتعد ذكرى يوم الأرض من أهم المناسبات الوطنية التي يحتفل بها الشعب الفلسطيني بتاريخ 30 مارس/ آذار من كل عام، من خلال المسيرات والفعاليات التراثية في الوطن والشتات.
ويقول الأسير المحرر في صفقة "وفاء الأحرار" محمود مرداوي، إن الأسير عبد الناصر المكني بـ"أبو حذيفة"، من الأسرى الأكثر بروزًا في مجال التفكير السياسي والإستراتيجي فيما يتعلق بشؤون القضية الوطنية الفلسطينية.
وأضاف مرداوي لـ"فلسطين": "اتجه في أداء دوره الوطني إلى العمل العسكري وقاد الجهاد في مراحل محددة بالضفة الغربية المحتلة، وانطلق إلى هذا المجال من خلال العمل الطلابي، حيث كان رئيس الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح".
وذكر مرداوي أن أول عبوة ناسفة لحماس في الضفة الغربية، تم تصنيعها في مخيم بلاطة في مايو/ أيار 1988، على يد أول مجموعة عسكرية للحركة الإسلامية في الضفة، وكانت تحت قيادة الشيخ يوسف السركجي وعمر الجبريني، وكان عبد الناصر عضوًا فيها، إضافة إلى مجاهدين آخرين، وقد تم اعتقاله وهدم المنازل.
وكذلك يعد عبد الناصر أول من أصدر بيانا لكتائب عبد الله عزام التي سبقت كتائب القسام آنذاك مع مجاهد آخر، بحسب مرداوي.
وبعد اندماجه في العمل العسكري أُطلق عليه لقب "تلميذ يحيى عياش" ذلك المهندس الذي احترف صناعة العبوات الناسفة، وعلمها لأجيال لاحقة، وكان عبد الناصر من الأشخاص الذين عملوا في الإعداد والتصنيع.
ويؤكد أن عبد الناصر يمتلك شخصية قادرة على التوافق مع الآخرين دون أن يتنازل قيد أنملة عن مواقفه ورؤاه الإستراتيجية والتكتيكية، ولديه علاقة ممتازة جدًا مع الفصائل في السجون.
ويعد عبد الناصر والقول للمحرر مرداوي، أحد القائمين الأساسيين على وثيقة الأسرى الوطنية لعام 2005، ومن المفكرين الأساسيين فيها، "التي تشكل حتى اللحظة إطارًا جامعًا للفلسطينيين، وبرنامجًا سياسيًا ونضاليًا للجميع".
وأضاف: كان أحد المشاركين الأساسيين في التفكير في تلك الوثيقة والحوار مع القيادي البارز في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي، ومختلف قادة الفصائل في الحركة الأسيرة.
وأكمل مرداوي أن عبد الناصر كان يمثل حركة حماس في سجن هداريم في الحوار بشأن الوثيقة، وهو من يبحث ويتفاوض مع الفصائل.
وعدَّ مرداوي أن عبد الناصر يمثل شخصية فريدة لحركة حماس؛ وللحركة الوطنية الفخر بوجود شخصية من هذا النوع.
والأسير عبد الناصر (51 عامًا) أنهى قبل أيامٍ السنة الـ25 في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ليدخل السنة الـ26 منذ اعتقاله في الأول من آب/ أغسطس 1995.
وتفوق عبد الناصر في التخطيط وتنفيذ العديد من العمليات الاستشهادية التي أربكت حساب الاحتلال وقادته، إلى أن اعتقل في كمين نصبته له قوات خاصة إسرائيلية قرب مسجد الحاج نمر بمدينة نابلس، حوالي الساعة التاسعة ليلاً.
كما اعتقل في الساعة نفسها زميله المجاهد عثمان بلال من منزله في المدينة، وتعرضا مباشرة لعملية تحقيق قاسية جدًا في زنازين التحقيق في مدينة نابلس ثم سجن "الجلمة".
وأثارت أساليب التحقيق القاسية التي استخدمت ضد عبد الناصر وزملائه جدلاً واسعًا في أوساط أجهزة الاحتلال العسكرية والقضائية، حيث أُطلق عليه وصف "العبوة الموقوتة" لرفضه الاعتراف وإصراره على ذلك.
ولاحقًا أصدرت عليه محاكم الاحتلال حكمًا بالسجن المؤبد مرتين، وطلب له القاضي الثالث حكم الإعدام، وبعد نحو سنة اقتيد إلى زنازين العزل الانفرادي في سجن بئر السبع بعد اتهامه وإخوانه في غرفة 2 عسقلان بحفر نفق يبلغ طوله حوالي عشرة أمتار في محاولة للهرب.
وعكف عيسى في سجنه على تطوير نفسه أكاديميًا؛ ففي 2007 نال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية، بعد عقبات عديدة من إدارة السجون.
وفي عام 2009 نال شهادة الماجستير في "دراسات الديمقراطية" من الجامعة نفسها، وبعد عدة أشهر ألغت سلطات إدارة السجون تسجيله للدراسة من جديد في الجامعة نفسها في برنامج الفكر البيولوجي لـ"أسباب أمنية".
وفي2011 نشر عيسى كتاب "مقاومة الاعتقال"، في حين تمكن عام 2014 من إكمال مشواره لينال شهادة ماجستير أخرى في "الدراسات الإسرائيلية" من جامعة القدس في أبو ديس.
ومن المحطات البارزة في حياته، اعتقاله سنة 1989 لأول مرة في عملية قمعية واسعة في مخيم بلاطة بتهمة حيازة منشورات ممنوعة, واقتيد معه آخرون، منهم القائد جمال منصور إلى تحقيق سجن الفارعة والمسمى "الإسطبل".
وفي سنة 1986 اعتقله جيش الاحتلال للمرة الثانية خلال مواجهات شعبية عنيفة بالقرب من مخيم بلاطة وذلك بعد تعرضه للضرب الشديد على يد جنود الاحتلال الذين اقتادوه بعد ذلك ومجموعة من إخوانه إلى سجن الفارعة "الإسطبل" مرة أخرى، وفي سنة 1987 سجل المجاهد بشكل أولي بجامعة النجاح الوطنية كلية الشريعة.
وبتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، تولى المسئولية الميدانية عن أول مظاهرة عنيفة ضد الاحتلال تبادر إليها وتنظمها جماعة الإخوان في المنطقة وقبل الانتفاضة الأولى, ما أسفر عن العديد من الإصابات, وشكلت إحدى أهم نقاط التحول نحو انخراط شباب الإخوان في المظاهرات العنيفة ضد الاحتلال.
سنة 1988 أصيب عبد الناصر بالرصاص للمرة الثانية في كلتا قدميه في إحدى التظاهرات الشعبية في مخيم بلاطة كجزء من فعاليات الانتفاضة الأولى, كما أصيبت والدته بسبع رصاصات مطاطية.
ومن المحطات البارزة في مسيرته النضالية أنه نجح في 1995 في التخفي والتسلل إلى قطاع غزة الذي كان قد خضع حديثًا لسيطرة السلطة الفلسطينية وهنا التقى مجددًا الشهيد المهندس يحيى عياش والقائد العام للقسام محمد الضيف، ومعظم المطاردين في ذاك الوقت.
وفي سنة 1995 لم تمنعه المطاردة من محاولة إكمال دراسته حيث التحق بالجامعة الإسلامية بغزة بكلية أصول الدين، وكان من أبرز مدرسيه وأساتذته، الدكتور الشهيد نزار ريان.
وفي الأول من يوليو/ تموز 1995، قرر بعد التشاور مع الشهيد يحيى عياش, والقائد الضيف وغيرهما أن يعود إلى مدينة نابلس لإعادة تنظيم صفوف كتائب القسام في الضفة وخاصة خلايا الاستشهاديين.
ويعد عبد الناصر حاليًا أحد أعضاء الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس في سجون الاحتلال، ومن قيادة الحركة الأسيرة، ويتمتع بعلاقة قوية مع جميع التيارات والقوى الوطنية.