فلسطين أون لاين

تقرير حريق "الأقصى".. مشاهده الدامية لم تفارق أذهان معاصريه

...
صورة أرشيفية لحريق الأقصى
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني

ما زالت ذاكرة مَن شهدوا حريق المسجد الأقصى المبارك تضج باللحظات المؤلمة التي رأوه فيها وسحب الدخان تتصاعد منه، فيما تلتهم النيران الجانب الشرقي منه وتأتي على معالمه، وهم يؤكدون أن استمرار الهرولة العربية نحو التطبيع مع (إسرائيل) تجعل حريق المسجد مستمرا، وقد يلتهم أساساته في أي وقت في سبيل إقامة الاحتلال هيكله المزعوم على أنقاضه.

وكان المتطرف الأسترالي الجنسية دنيس مايكل روهان، قد افتعل حريقا ضخما في الجناح الشرقي للجامع القبلي الموجود في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى في 21 أغسطس/ آب 1969، التهم كامل محتويات الجناح بما في ذلك منبره التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين، كما هدد الحريق قبة الجامع الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة اللامعة.

حريق ضخم

المسن نادر اشتية (90 عاما)، كان يعمل في لجنة إعمار الأقصى وقت وقوع الحريق، يعود بذاكرته إلى وقت الحريق، فبينما كان يعمل على سطح قبة الصخرة هو واثنين من زملائه تفاجأ بصرخات عامل أفغاني كان ينظف الحرم وهو ينادي "حريق.. حريق"، ليهرع هو وزميليْه للمكان ليجدوا أن النيران تتصاعد من قبة الصخرة وأن محراب المسجد الأقصى مشتعلًا.

وقال اشتية لصحيفة "فلسطين": "بدأنا بإطفاء الحريق قدر المستطاع، حيث كانت الحرائق تشتعل من الأعلى والأسفل، إلى أنْ أتت سيارات الإطفاء من القدس وبيت لحم ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية لتشارك في إطفائه، ثم لم نلبث إلا قليلا لنجد المسجد قد عجَّ بالناس الذين يريدون إطفاء النيران، ويقومون بتعبئة المياه من الأماكن المجاورة".

وأضاف "صعدتُ لقبة الصخرة وقمتُ بفتح الغرفتين الموجودتين فيها تمهيدا لإطفائهما، حيث كان الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد كله مشتعلًا"، مبينا أن الحزن الشديد انتابه وهو يرى النيران تلتهم مرافق الأقصى، فقد اندلع الحريق صباحاً واستمر لبعد صلاة المغرب.

وأعرب عن اعتقاده بأن ما رآه من ضخامة الحريق تشي بأن الفاعل ليس شخصا واحدا كما ادعى الاحتلال لاحقا، بل أكثر من شخص.

شرح بالقول: "كسروا شباكا وملؤوا أسطح المسجد بالمواد الحارقة، وكان الحريق ضخما، يدل على كبر كمية المواد الحارقة الموجودة والتي يعاني المسجد من آثارها حتى اليوم"، مشيرا إلى أن أعمال الترميم لما بعد الحريق كانت ضخمة جدا، وشملت إعادة بناء الجهة الشرقية من المسجد بما فيها بناء أعمدة وبناء السقف.

منظر كارثي

فيما كان عضو مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية حاتم عبد القادر من الذين التحقوا بجموع المواطنين الذين هبوا لإطفاء الحريق في الأقصى، لافتا إلى أن الحريق كان مقصودا منه حرق الأقصى بالكامل، وقد أتى على منبر صلاح الدين.

وبين عبد القادر لـ"فلسطين"، أن هبة المواطنين في القدس ومسارعتهم إليه ساهمت في إطفائه واقتصار الأضرار على منبر صلاح الدين وبعض المرافق الأخرى، وأن عملية الترميم استمرت عدة سنوات لإعادة المسجد لسابق عهده بما فيه المنبر الذي عكف مهندسو جامعة البلقاء الأردنية على  وضع تصميم له وتركيبه وفق كل المواصفات الموجودة به من قبل.

وأشار إلى أن الأوقاف قامت بترميم الزجاج والفسيفساء وبعض الأشكال الإسلامية الأخرى داخل المسجد، قائلا: "عندما سمعت بالخبر سارعتُ للمكان فكان منظرا مزعجا حيث تتصاعد النيران من الأخشاب وقد احترقت مساحات واسعة منه ومن السجاد وقد غطى الدخان الزجاج الملون وحجب الإضاءة فكان منظرا كارثيا لا يصدقه عقل".

وذكر أن المسجد كان يغص بآلاف المواطنين الذين هبوا من أجل إطفاء الحريق وظلوا متواجدين فيه حتى إزالة السجاد المحترق، وفتحوا كل الأبواب والنوافذ، مضيفا "كان المشهد محزنا بسبب وجود الحريق، ومفرحا في الوقت ذاته لهبة المواطنين بأعداد كبيرة للمسجد وتواجدهم داخله ما أكد وقوف المقدسيين إلى جانب أقصاهم".

واعتبر أن حريق الأقصى ما زال مستمرا، ليس بالشكل المادي، وإنما بشكل ممارسات الاحتلال بحق الأقصى التي أصبحت سياسة ممنهجة من خلال العمل على استلاب حق الأوقاف بالعمل فيه ومحاولة السيطرة على إدارته، والتدخل فيها، وإبعاد الحراس وعلماء وخطباء الأقصى عنه كما حصل مع الشيخ عكرمة صبري.

وأضاف أن ذلك يتجلى بالسماح لممارسات جماعات المستوطنين المتطرفة وتحكّمها بشرطة الاحتلال وعملها وتسييرها حسب مخططاتها، واستمرار الاقتحامات التي لا تشمل المستوطنين فقط بل كل مكونات وهيئات الاحتلال السياسية والأمنية والقانونية.

وأكد عبد القادر أن الحرب على الأقصى مستمرة والاستهداف ما زال مستمرا، ولا يقف أمام الاحتلال سوى المرابطين المقدسيين الذين يشدون الرحال إليه ويرابطون فيه، ما يفشل مخططاته جزئيا، معتبرا في الوقت ذاته أن هرولة العرب نحو التطبيع مع (إسرائيل) هي طعنة في ظهر القدس والأقصى وتعطي ضوءًا أخضر للاحتلال للاستمرار بمخططاته تجاه المسجد المبارك.