فلسطين أون لاين

تشق طريق النجاح بغزة

تقرير "الأفوكادو" .. زراعة ناشئة تروي "عطش السوق"

...
117591430_2731887240244941_1540298150088982270_n (1).jpg
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بخطوات بطيئة؛ يمشي المزارع محمود خليل بين أشجار "الأفوكادو" بعد أن بلغ "طولها وعرضها" نحو خمسة أمتار، متأملًا حصاد نتاج صبره على ثمار شجرة "غلبوية" في تربيتها وطبعها وطرق رعايتها؛ و"مدللة" في ثمنها، بعد أن جلبها أشتالًا صغيرة قبل ستة أعوام، اعتنى بها كما تعتني الأم بطفلها حتى كبرت وبدأ نتاج الزهر يثمر.

تحت ظلال أوراق شجرة "الأفوكادو" الكثيفة، تتخفى حباتها الخضراء تحت غصون الشجرة، وتتوارى عن الأنظار، وعن  أشعة الشمس مواصلة النمو، حتى اشتد وزنها فثقل حملها على  الغصون التي أوشكت أن تلامس الأرض في أسفل الشجرة.

ذاك الشاب ملأ الدلو الأسود بالحبات الخضراء، وأفرغ حمولته بوضعها على مفرش على الأرض، ثم رصها عامل آخر بعضها بجوار بعض في صندوق كرتوني، تكرر المشهد، وتراصت الصناديق الكرتونية بعضها بجوار بعض وهي تمتلئ بـ"الأفوكادو"، بقي أن يضع المزارعون ختم إنتاج "فلسطين – غزة" عليها بملصق على كل حبة حتى يكتمل الجمال هنا، وأنت ترى المشهد أمامك يخيل إليك كيف كان يستورد "الأفوكادو" من الخارج والآن يزرع بأيدٍ غزية.

تتنامى آمال مزارعي الأفوكادو في "موسم جيد" هذا العام، زراعة ناشئة تهدف إلى تغطية احتياجات السوق المحلي "العطش" لهذا النوع من الثمار، علمًا أن القطاع كان يستورد هذا المحصول من الأراضي المحتلة سنة 1948م أو من الخارج بسبب عدم زراعته، ورغم خبرتهم "القليلة" في هذا المجال، يلجأ  المزارعون إلى التوسع في زراعة "الأفوكادو".

بعدما وجد خليل أن الثمار لم "تف بالمطلوب منها العام الماضي" بعد أن وضعت حملها من الثمار قبل الموعد المحدد، وأجهضت حلمه بـ"موسم وفير"، لجأ إلى حيلة ذات جدوى، بقص بعض الأغصان المتلاصقة، ليأذن لأشعة الشمس بالمرور بين تلك الأغصان والوصول إلى قلب الحبات الخضراء، لتمنحها الدفء، وتعانق معها الهواء بشوق بعد أن فرقتهما الأوراق الكثيفة.

"سعرها منيح، بنتمنى يصير تطوير في المحصول" تزداد آمال المزارع خليل في إنتاج أفضل كذلك الموسم القادم، معترفًا بعد ابتسامة ومصارحة: "إنت عارف خبرتنا قليلة في هدا الزرع، ومحتاجين خبراء يرشدونا أكتر عن زراعته".

بيئة معتدلة

على امتداد دونم خصصه خليل لزراعة "الأفوكادو" من 15 دونمًا يملكها، نجحت ثمانون شجرة في الصمود أمام عوامل وبيئة مناخ جديدة عليها في قطاع غزة، فهي تنجح في المناطق ذات الشتاء المعتدل الخالي من الصقيع، علمًا أن ما يناسب شجرة الأفوكادو الجو الرطب، كما في حال المناطق الساحلية، حيث يساعد ذلك على غزارة المحصول.

لا يخفي خليل أن خبرته زادت في زراعة "الأفوكادو" بسبب تعامله مع المزارعين في الداخل المحتل، واستفساراته لهم عن طريقة زراعتها والمشاكل التي تواجهها، مضيفًا: "هذه الثمرة تسمد تسميدًا عاديًّا كأي شجرة، وتزرع في الهواء الطلق، في أثناء زراعتها، ولا توجد معوقات كثيرة أمامنا".

التجربة خير "برهان"

المشكلة الوحيدة هنا -تبعًا لحديثه- حينما تضرب موجة حر القطاع، فإن هذه الثمرة بحاجة إلى نوع خاص من "الهرمونات" ليمنحها عوامل الصمود والبقاء أمام المتغيرات الجوية، فغياب الهرمون يعمل على إسقاط الزهر في أثناء موجة الحر، فيضيع تعب وشقاء المزارعين سدى، كما حدث معه ومع غيره عدة مرات، خلال موجات جوية متقلبة.

حب "التجربة" وتعلق خليل بزراعة أصناف زراعية عدة، جعلاه يتحدى الظروف ويغامر بزراعة "الأفوكادو"، فكانت هذه الثمرة "وفية لصاحبها" ولم تخذله، بعد أن اشتد عودها وزاد حملها.

 تغافل صوته ضحكة رضا هنا بالعامية: "لما زرعت قلت يمكن ينجح، وبالفعل نجح والموسم هدا أفضل موسم، يمكن عشان الشجرة كبرت صارت تجيب إنتاج أفضل".

والأفوكادو ثمرة غنية بالزيت وتمتاز بقيمة غذائية عالية، إذ تحتوي على العديد من الفيتامينات، ونسبة من الدهون الأحادية غير المشبعة المفيدة لجسم الإنسان، ونسبة من الألياف الغذائية، وهي غنية بمضادات الأكسدة وحامض الفوليك.

حاجة السوق المحلي لها، وإقبال المواطنين على شرائها، مثلا دافعًا للمزارعين لزراعتها بدلًا من استيرادها، فضلًا عن مساهمة مناخ غزة، ذي الجو الرطب والشتاء المعتدل الخالي من الصقيع، في نجاح هذه الفاكهة وغزارة المحصول.

لكن من وجهة مدير "البستنة" بمحافظة الشمال في وزارة الزراعة المهندس رائد أبو زعيتر، إن الظروف الجوية في غزة لم تكن "مواتية" للأفوكادو هذا الموسم، وأنه في حال جاءت درجة حرارة مرتفعة في بداية التشجير يؤثر ذلك عليها، ويسبب سقوط الزهر والحمل، كذلك إن رواها المزارع بكميات مياه أكبر فإنها قد تنزل حملها، فهي تحتاج لدرجة حرارة معتدلة وتسميد معين "مرهق" نوعًا ما للمزارعين.

من جهته يؤكد المتحدث باسم وزارة الزراعة أدهم بسيوني أن وزارته شجعت على زراعة ثمار "الأفوكادو"، مبينًا أن حجم المساحات المزروعة بلغ 170 دونمًا، منها 125 دونمًا مثمرة و43 دونمًا غير مثمرة، إذ بلغ متوسط الإنتاج السنوي لها نحو 200 طن بمعدل إنتاج 1,6 طن لكل دونم.

يقول بسيوني لصحيفة "فلسطين": "إن المزارعين بدؤوا التوسع بها، بعد تشجيع الوزارة لهم، ضمن سياسة الوزارة الحالية بالاعتماد على المنتجات المحلية، وخلال السنوات القادمة سيُتوسع في زراعتها أفقيًّا وتُزاد المساحة المزروعة".

حسبما يذكر، إن نسبة الرطوبة لها مناسبة، وزراعتها بدأت قبل سبع سنوات، وهي تزرع بين شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس) من كل عام، ويبدأ موسم قطفها في آب (أغسطس).

رغم ما تواجه من صعاب وعقبات، متعلقة تارة بقلة خبرة المزارعين، وأخرى بإجراءات الاحتلال في منع دخول أصناف معينة من الأدوية والهرمونات اللازمة للأفوكادو وغيره من المزروعات، هذه الثمار تشق طريقها في غزة، ويزاد الإنتاج عامًا بعد آخر، في اتجاه التوسع.

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين