فلسطين أون لاين

في الوسط المائي.. أطفال طيف التوحد يتجاوزون حاجز الخوف

...
غزة- هدى الدلو:

رجفة وحركات لا إراديّة وصوت متردِّد هذا هو حال الأطفال المصابين بطيف التوحد قبل نزولهم إلى بركة السباحة، يحاول المدرب تهدئتهم وتخفيف دقات قلبهم الخائفة وهو يعدل لهم "الطوافات"، فتقع عليه مهمة إشعارهم بالأمان ليتفاعلوا معه، ويتمكنوا من تأدية التمرين الرياضي على أكمل وجه.

أحمد البنا طفل يعاني من اضطراب طيف التوحد، ترى والدته أن ما دفعت إليه جائحة كورونا من إجراءات وقائية كان له أثر بالغ على تلك الفئة، "بعد خمسة أشهر من الحجر والانعزال عن المجتمع نسفت جائحة كورونا كل ما تم بناؤه مع ابني في الأعوام الخمسة الماضية، فلا يوجد أي تواصل مع المراكز والمؤسسات الخاصة، وأصبح جو البيت بعد هذه المدة لا يطاق بالنسبة له".

لكن وجدت ضالتها للمرة الثانية لمشاركتها في المخيم للعام الثاني على التوالي، وذلك بعد وقف التحويلات الطبية بشأن حالة ابنها لتلقي العلاج والتأهيل الوظيفي والاجتماعي واللغوي والطبيعي إلى جانب المائي في مستشفيات الأراضي المحتلة سنة 1948.

وتَبنّى فكرة المخيم نادي الدولفين للرياضة المائية، برعاية المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وتنوع الفريق القائم عليه من مدربي سباحة واختصاصية اجتماعية ونفسية ومنشطين.

وتشير والدة الطفل أحمد إلى أن حالته تقدمت بشكل ملحوظ العام الماضي، ولكن مع الانقطاع الطويل عن أي نشاطات وزيارات للمراكز أدت إلى تدهور حالته.

ولم يتسع قلب البنا من الفرحة لمشاركتها في المخيم، لما له من أثر على ابنها الذي يبلغ من العمر 12 عامًا، مبينة أن العلاج المائي يلعب على الوتر الحساس لدى طفلها، فله أثر إيجابي على العضلات والعصب، وزيادة الثقة بالنفس، وكسر حاجز الخوف، ودمجه مع الأطفال الآخرين.

واضطراب طيف التوحد عبارة عن حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر في كيفية تمييز الشخص للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي، مما يتسبب في حدوث مشكلات في التفاعل والتواصل الاجتماعي، كما يتضمن الاضطراب أنماطًا محدودة ومتكررة من السلوك؛ وفق موقع "mayoclinic" الإلكتروني.

كسر الخوف

أما والدة الطفل فارس محيسن فكانت منشغلة في تجهيز طفلها الذي يبلغ من العمر 10 أعوام للسباحة، ثم انطلق لتراقبه بعينيها عن كثب، فقد تفاجأت من جرأته بالقفز بعمق أربعة أمتار بالبركة، فقد عكفت على اكتشاف موهبة في شخصيته، فألحقته قبل المخيم بدورة في السباحة لتكسر حاجز الخوف وتعزز ثقته بنفسه.

وتشير إلى أنها اختارت السباحة لتعليمها لطفلها كنوع من التفريغ النفسي، والعلاجي، والدمج البيئي والاجتماعي، ولاكتساب المهارات والتدريب والتسلية والترفيه.

وعادت والدة فارس بذاكرتها لسنوات ماضية، حيث المأساة والوجع والعدوان والسبب الذي فارس فيه الآن، فاستنشقت الدخان الناتج عن قنابل الفسفور التي ألقتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي، مما تسبب لجنينها بنقص الأكسجين وأدى بها إلى ولادة مبكرة.

فاكتشفت حالة ابنها وهو طفل ذو عامين، حيث ظهور الحركات النمطية والتصرفات السلوكية وفوضى، وفرط في الحركة والدوران حول نفسه، وعدم الاستجابة للأوامر، كل ذلك في ظل عدم وجود جمعيات تهتم بهم، فهذه المخيمات هي متنفسهم.

أما مدرب السباحة أحمد الدريني الذي بدا منشغلًا في متابعة الأطفال وتعليمهم الحركات التمرينية لليدين والرجلين وكيفية الاسترخاء للطفو على المسطح المائي، يقول: "تكمن أهمية تعليم طفل طيف التوحد السباحة لعشقه الماء، فقد يعرض نفسه للخطر في حال ألقى نفسه في الوسط المائي وألا يتعرض للأذى أو الغرق".

بالألعاب المائية يحاول إغراء الأطفال ليزيل عنهم الخوف والتوتر ويشعرهم بالأمان ليتمكن من التعامل معهم داخل البركة دون صراخ، مضيفًا لصحيفة "فلسطين": "ليس من السهل أن تقنع الطفل المصاب بالتوحد بالنزول إلى بركة ماء باردة خاصة أن استيعابه بسيط، ويتعامل مع شخص غريب، ولكنه يعود بالنفع على البعض ممن يعانون من ضعف في العضلات".

الدمج والاستقرار

من جهتها توضح منسقة المخيم ريم جعرور أن فكرة المخيم تقوم على تدريب أطفال يعانون من اضطراب طيف التوحد على السباحة في المسابح المائية الداخلية، وذلك من خلال استهداف 20 طفلًا توحديًا لتعزيز قدراتهم من خلال التدريب بالألعاب المائية.

وتنبه في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إلى أن ذلك سيمكنهم من مجاراة أقرانهم من الأطفال الأسوياء في اللعب والتفاعل الاجتماعي، وسيرفع من مستوى الأمان لديهم، والتقليل من إمكانية تعرضهم للخطر أثناء تواجدهم في أماكن مائية، تحت اشراف مختصين في السباحة وآخر في التوحد.

وترى جعرور أن المخيم يهدف بشكل عام إلى المساهمة في تحسين وتطوير قدرات الأطفال على السباحة خلال فترة المخيم، أما أهدافه الخاصة فتعمل على تدريب 20 طفلًا توحديًا على السباحة في المسابح المائية الداخلية.

وتتابع: "كما يهدف إلى إكساب أطفال التوحد مهارات العوم والاعتماد على النفس، ورفع مستوى الاستقرار النفسي لدى أهل الأطفال كنتيجة لتطور قدرات أطفالهم في السباحة".

ومن دوافع تنظيم المخيم، تشير جعرور إلى حاجة أطفال التوحد للاندماج في البيئة الطبيعية المحيطة بهم، ولتعلم واكتساب مهارات جديدة، ومساعدة أهالي أطفال التوحد في تعليم أبنائهم مهارات جديدة.

وتلفت إلى أن أزمة كورونا العالمية، أثرت مباشرة على تلك الفئة بسبب الاجراء الوقائي والحجر المنزلي ، في ظل كل الصعوبات والاحتياجات، فكان تحديًا كبيرًا لهؤلاء الأطفال وأهلهم.

وتتابع جعرور بأن طفل التوحد انقطع في تلك الفترة عن المجتمع وزاد من انعزاله، وان كانت هي منحة أيضًا في أنه أصبح أقرب لأهل بيته، لكن الطفل يحتاج ليندمج ويتداخل بالمجتمع ويتفاعل معه بعيدًا عن نظرة عدم القبول أو الشفقة، "وكورونا أحالت دون ذلك وزادت من العبء الملقى على الطفل وأهله، وبعض الأطفال لما خرج من البيت تراجعت حالته عما كان".

وتردف: "اضطراب طفل طيف التوحد لديه مشاكل حسية ويحاول إشباعها بالماء، وعدد كبير من وفيات أطفال التوحد حسب ما يقول العالم تكون غرقًا لعشقهم للماء، فلدى بعضهم حاجة لملامسة الماء وسماع صوتها أو النظر لقطراتها".

وترى جعرور أن العلاج المائي يساعد الأطفال في التكامل الحسي، وبالتالي تمتلك الطفل بعد أن تشبع حواسه وتستطيع فتح قناة اتصال وتمرير التمارين، إلى جانب أهميته في تنشيط الدورة الدموية ومساعدتهم في التركيز في متابعة حركة الماء والفقاعات والألعاب المائية.

وتؤكد أن انتقال طفل التوحد من الوسط البري إلى الوسط المائي هو بحد ذاته خطوة رائعة، فتنوع البيئات لديه يوسع من مداركه ومعارفه وتفاعله مع البيئة الجديدة مرغمًا.

من جهتها تلفت مديرة المخيم صفاء الشعافي إلى أن هذا المخيم يأتي لدمج أطفال طيف التوحد بدلًا من حالة العزلة التي يعيش فيها وأهله.

ويعمل المخيم على تحسين اللياقة البدنية للأطفال بسبب ضعف العضلات الذي يعانون منه، وتوسيع الشرايين، وتنظيم ضربات القلب والتنفس، ويتخلله أيضًا نشاطات يدوية تعتمد على الرسم والتلوين، وأشغال يدوية بسيطة ليندمجوا مع العالم الآخر.