عند وفاة السند في الأسرة متمثلا بالأب أو الأم، تُلقى على عاتق الأبناء مسئولية كبيرة في تمثيله والقيام بدوره على قدر المستطاع، حتى يسد الفراغ الذي تركه عليهم وعلى شريكه أيضا، والتعاون وتوزيع الأعباء مطلوب بينهم.
يجب ألا يترك أحد شريكي الحياة الزوجية يصارع الحياة وحيدا، ويتذوق مرارة الفقد والوحدة التي تفتح له باب الإصابة بالأمراض بسبب الحزن وتضاعف المسئولية.
تعاون الأبناء
تقول الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة: "من الأزمات والمحن الصعبة التي يتعرض لها الإنسان الفقد، ويكون الحال أصعب في حال فقدان أحد الوالدين، وهذا يترك آثارا متعددة على الأبناء، تدفعهم إلى تحمل المسئولية مبكرا، كذلك التعرض إلى تجارب صعبة".
وتضيف السعايدة لصحيفة "فلسطين": "بينما يلهو الآخرون الذين في أعمارهم هم يتحملون مسئولية عظيمة، ولا بد من تهيئة الابن في مراحل مبكرة بتلك التجارب الصعبة حتى لا ينهار ويفقد القدرة على التحكم في أعصابه واتخاذ القرارات في الأمور الحياتية".
وتشير إلى أن المسئوليات تختلف حسب نوع المتوفى وكذلك نوع الابن، وتبعا لاختلاف المسئوليات الملقاة على عاتقهم، وكذلك وجود مصادر داعمة لهم كأعمام أو أخوال، وتبعا للوضع الاقتصادي لهم.
وتبين السعايدة أن الجميع اعتاد أن يتحمل الأب والأم اللذان على قيد الحياة المسئولية، لكن لا يجب إغفال دور الابن في رعاية والده الباقي على قيد الحياة لعدة أسباب: وفاة شريك الحياة يترك أثرا صعبا على الطرف الثاني، أن تكون الظروف الحياتية صعبة لن يتحملها هذا الشخص وحده، لذا يستلزم تضافر جهود الأبناء للقيام بمسئولياتهم تجاه الأب.
وتوضح أن من الأسباب أيضا تعدد مسئولياتهم منها ما يتعلق بالعناية الذاتية سواء كانت صحية، او نفسية لأنه يرى الحياة بمنظور أسود سيما عندما يكون كبيرا في السن، واقتصادية خاصة إذا كان المتوفى هو المعيل، ورعاية اجتماعية من خلال المحافظة على علاقاته الاجتماعية وتوفير سبل الاتصال مع أحبائهم.
عدم التذمر
وتدعو الاختصاصية النفسية إلى أن يمثل الابن أو الابنة والده خير تمثيل، مع توزيع المهام بين الإخوة، وعدم إشعار الأب الموجود على قيد الحياة بالتذمر والضجر من طلباته أو من حديثه، والمحافظة على إرث المتوفى.
وتشدد على المشاركة الأسرية وتعدد النشاطات العائلية التي تحافظ على الأب والأم، بجو من التواصل الاجتماعي بعيدا عن العزلة التي تقلب المواجع وتجعله عرضة للأمراض.
وتلفت السعايدة إلى أن الأولوية للمتزوجين للقيام بأدوارهم في منازلهم، ويجد البعض صعوبة بالاعتناء في ذويهم، فيضيق ذرعا من متطلباتهم واحتياجاتهم ويشعرهم بأنه عبء عليه يجب التخلص منه، وهذا يترك مشاعر سلبية لدى الوالدين، ويفتح بابا عظيما من أبواب العقوق، ومن هنا تظهر الخلافات بين الإخوة، ولتجنبها لا بد من توزيع المهام حتى لو كانت بتفاصيل بسيطة بين الأبناء.
وتنصح بتحديد جدول لبقاء أحد الوالدين عند أحد الأبناء وبناء على رغبة والدهم، مع عدم إشعاره بأنه ثقل عليهم، وتعزيز وجوده في المنزل، واتخاذه قدوة حسنة أمام أبنائهم، مع المبادرة لطلب الرضا والدعاء لهم، وتعويد أبنائهم على هذه العادة الفضيلة.
وتؤكد السعايدة أن احترام آراء الوالدين وعدم معارضتهم سيما أمام أبنائهم وزوجاتهم، يعزز قيمة الوالدين أمام الأحفاد، مع تفقد احتياجاتهم أولا بأول واقتطاع مصروف خاص بهم في حال غياب مصدر رزق بالنسبة لهم، وعدم إشعارهم بالعوز والحاجة في وجودهم.
محاكاة أسلوب المتوفى
بدوره يبين الاختصاصي النفسي والتربوي د.إياد الشوربجي أن الآباء هم الأعمدة الأساسية للأسرة، تقع على عاتقهم أسس التربية والرعاية ومراعاة التفاصيل اليومية.
ويوضح الشوربجي لصحيفة "فلسطين" أنه من الصعب في البداية أن يرمم الأبناء حدث الفقد ومن ثم تدريجيا يبدؤون في التعايش مع الموقف.
ويشير إلى أن حجم التحديات بعد الفقد يكون أكبر على الأبناء في غياب أحد الوالدين، ويصابون بصدمة كبيرة إذا كان مفاجئا، وله انعكاسات نفسية على الزوج أو الزوجة.
ويلفت الشوربجي إلى أن دور الأبناء يكون بمواساة من تبقى على قيد الحياة، من ناحية نفسية وعاطفية، وتحمل مسئولية رعايته أيضا.
ويدعو إلى ملء الفراغ الموجود بتناوب الأبناء والبنات على بيت العائلة الكبير لرعايته حتى لا يشعرونه بالفراغ، ويمكن أن يحتضنوه في بيوتهم حتى لا يترك وحيدا للتفكير في توفير مستلزمات تعينه على الحياة كالتلفاز، والراديو، وزيارة الأرحام والأقارب.
ويختم حديثه:" على الابن أو الابنة محاكاة أسلوب والدهما أو والدتهما في إدارة البيت والأبناء، والتعامل مع التفاصيل اليومية، والإنفاق اليومي، وضبط الحياة إلى حد كبير، وهذا يختلف باختلاف نمط التربية".