فلسطين أون لاين

تقرير تصاعد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى يفتح الطريق لتقسيمه

...
أرشيف
غزة - أدهم الشريف

كان اقتحام قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك وساحاته سابقًا؛ واحدة من أكثر الانتهاكات التي يصعب تنفيذها حتى وإن كانت بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي وقواته، لكنها في الوقت الحالي أصبحت طقوسًا يومية، وأحيانًا تتم في اليوم الواحد أكثر من مرة، عقب سلسلة مخططات عمد الاحتلال إلى تنفيذها منذ احتلاله القدس كاملة سنة 1967.

وبات ملحوظًا كذلك استغلال سلطات الاحتلال جائحة فيروس "كورونا" العالمية لفرض المزيد من الوقائع، حتى وصل الأمر بهؤلاء المستوطنين المنتمين لجمعيات "صهيونية"، إلى إقامة طقوس تلمودية في ساحات الأقصى خلال عمليات الاقتحام المتكررة.

وترى شخصيات إسلامية أن هذه الاقتحامات ليست إلا جزءًا من إستراتيجية الاحتلال الهادفة إلى إفراغه من المسلمين، وتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا.

إبعاد المسلمين

ويؤكد خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، أن الاحتلال يستغل جائحة فيروس "كورونا" العالمية ويخيف الناس لإبعادهم عن المسجد الأقصى لتفريغه من المسلمين، وفي الوقت نفسه يحث ويشجع على اقتحامات متتالية.

وأوضح صبري لـ"فلسطين"، أن الاحتلال أعلنها مسبقًا بأنه يجمع الأموال الكبيرة من أجل الاستمرار في الاقتحامات، لافتًا إلى الهدف من ذلك تغير الواقع القائم في المسجد المبارك استعدادًا لبسط سيادة الاحتلال عليه.

وحول مساعي تقسيم المسجد المبارك، ذكر أن محاولات الاحتلال هذه لا شك أنها لم تتوقف، مضيفًا: "التقسيم الزماني والمكاني بالنسبة للاحتلال هدف يسعى إليه بطرق ملتوية ومتعددة شملت محاولة منع المسلمين من الاقتراب من المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى التي يقع فيها المصلى المرواني ومصلى باب الرحمة".

وبين أن المنطقة الشرقية من الأقصى، مساحتها (50) دونمًا، وهي تشكل أكثر من ثلث المساحة الكلية للمسجد الأقصى البالغة (144) دونمًا و(900) متر.

وأكد صبري أن مشاريع التقسيم المكاني والزماني لم تتحقق بعد، لكن بوادر مخططات الاحتلال تسعى إلى ذلك وتهدف لتفريغ المسلمين من الأقصى وإبعادهم عنه، تزامنًا مع نشر الرواية "الصهيونية" أمام العالم لكسب الرأي العام ومحاولة اقناعه أن الأقصى لهم.

ونبَّه إلى أن ذلك يأتي في إطار "الحرب النفسية والدعائية التي يستخدمها الاحتلال".

وقال بشأن سبل مواجهة مخططات الاحتلال: "ليس لأصحاب القدس كمواطنين مرابطين مجال سوى شد الرحال والتواجد باستمرار في الأقصى وإعماره، وصد المحاولات العدوانية".

وشدد صبري على ضرورة اتخاذ العرب والمسلمين زمام المبادرة واستخدام الأساليب السياسية والدبلوماسية وتنفيذ أي مجهود يمكن أن يوفر حماية للمسجد الأقصى، ولجم الاحتلال وإجباره على التراجع عن المخططات العدوانية ضد المقدسات الإسلامية.

وتعمد سلطات الاحتلال توفير حماية مشددة لقطعان المستوطنين في أثناء اقتحامهم للمسجد الأقصى.

فراغ كبير

من جهته، أكد رئيس لجنة الحريات التابعة للجنة المتابعة العربية في الداخل المحتل كمال الخطيب، أن اقتحامات الأقصى ليست جديدة وإنما أخذت منحى تصاعديًّا منذ عام 2005، بعد هبة الأقصى وما أعقبها خمس سنوات لم يتمكن اليهود من دخول الأقصى إطلاقًا، لكن بعد ذلك العام استطاع الاحتلال استئناف الاقتحامات وشكل ذلك إنجازًا له.

وذكر الخطيب في تصريح لـ"فلسطين"، أن تصاعد الاقتحامات بدأت فرديًا ومن ثم مجموعات صغيرة قبل أن تتحول إلى قطعان من المستوطنين، وقوبلت انتهاكات الاحتلال بحق المقدسات بتفاعل كبير تخلله إعلان النفير عام 2010 لشد الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط عند بواباته، حيث كان الاحتلال يعلن دومًا عن اقتحامات.

وذكر أن الاقتحامات بلغت ذروتها بعد أن كانت فردية ولاحقًا تحولت مجموعات كبيرة لمرة واحدة في الصباح، والآن صارت في الصباح وفترة الضحى وبعد الظهر، حتى في شهر رمضان المبارك، الذي كان محرمًا على اليهود دخول الأقصى، ولا يمكنهم الاقتراب منه، اقتحموه في ليلة القدر سنة 2014.

وعام 2015، بحسب الخطيب، حظر الاحتلال الحركة الإسلامية القائمة على مسيرة البيارق، وحلقات التدريس في المسجد المبارك، وتسبب الحظر بـ"خلق فراغ ليس عاديًا في المسجد المبارك، ونتائج ذلك نراها اليوم بزيادة وتيرة الاقتحامات وأصبحت تأخذ بعد أكبر عبر السماح بأداء طقوس تلمودية في ساحات الأقصى".

ورأى أن ذلك يعود إلى ما تشهده الساحة الفلسطينية من واقع مؤسف، وأيضًا الواقع الإسلامي والعربي من حولنا، وحالة الضعف التي تعم الجميع، تزامنًا مع رسائل التطبيع التي تبثها أنظمة عربية وكأن المسجد الأقصى لن يكون نقطة خلاف بينها وبين الاحتلال وهذه الأنظمة، وهذا ما شجع الكيان على الخطوات الانتهاكية بحق المسجد الأقصى.

استراتيجية هدم

وشدد على أن الاحتلال لديه استراتيجية تهدف لهدم المسجد الأقصى وبناء "الهيكل" المزعوم، وهذا الأمر يحتاج إلى تدرج وخلق واقع يشهد أقل عدد للمسلمين في المسجد الأقصى من خلال سياسة الإبعاد والاعتقالات وإغلاق المؤسسات وحظر الحركة الإسلامية.

وأضاف الخطيب: "الاحتلال يستغل جيدًا الظرف السياسي الراهن للتمهيد والتهيئة لبناء "الهيكل" من خلال خلق واقع يهيئ الظروف للخطوة التي يسعى الاحتلال للإقدام عليها في لحظة من لحظات جنون عنصريته وغروره".

ونبَّه إلى أن نصرة المسجد الأقصى والدفاع عنه، "وظيفة لا يمكن أن يتخلى عنها أحد علاوة على أنها واجب، وهي أيضًا شرف لمن يؤدي دور النصرة للمسجد المبارك".

أما فلسطينيًا، فلم يتخلَّ الشعب يومًا عن دوره في الدفاع عن المسجد الأقصى، وما زالوا على عهدهم وخاصة أهالي مدينة القدس رغم ما يدفعونه من ثمن غالٍ من تضييق واعتقالات وإبعاد وهدم، لكنهم مستمرون في أداء دورهم، وفق الخطيب.

لكن في المقابل؛ نجد أن قيادة السلطة في رام الله قد أصبحت قضية القدس والمسجد المبارك على هامش اهتمامها وقد خابت وفشلت في مشروع التسوية واتفاق (أوسلو) بعد أن وجهت (إسرائيل) لطمة مباشرة لها بإعلان زعيم حزب (الليكود) بنيامين نتنياهو نية حكومة الاحتلال التي يرأسها، نيته ضم المستوطنات الرابضة على أراضي الضفة والأغوار كذلك، إلى دولة الاحتلال، بعدما نالت الأخيرة اعترافًا أمريكيًا بأن القدس عاصمة لها، كما يقول الخطيب.

لكنه أضاف أن ذلك "لن يعفيها (السلطة الفلسطينية) من المسؤولية التاريخية في الاستمرار بتحشيد أبناء شعبنا لنصرة القدس والمسجد المبارك".