فلسطين أون لاين

يتنقل بين المحافظات الشمالية في مواجهة وباء كورونا

تقرير الطبيب محمود التوم.. ترك عروسته بغزة لمساندة زملائه وشعبه بالضفة

...
الطبيب محمود التوم
غزة - نور الدين صالح

كانت لحظات صعبة وجريئة في آن واحد، حينما اتخذ الطبيب الفلسطيني ابن قطاع غزة محمود فريد التوم (27 عاماً) قراره بالتوجه لشق الوطن الآخر –الضفة الغربية- لمساندة زملائه الأطباء هناك في مِحنة مواجهة تفشي وباء "كورونا".

 

لم يكن القرار سهلاً على الطبيب التوم الذي يقطن مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، كونه "عريسًا جديدًا" لم يمضِ على زواجه سوى شهرين فقط، وأقل من عامين على عودته من غربة دراسة الطب في جمهورية أوكرانيا.

 

وأنهى "التوم" دراسته بتخصص "الطب العام" في أوكرانيا عام 2018، والتحق بدورات متخصصة في الطب الوقائي ومكافحة الوبائيات وحصل على المستوى الأول بشهادة تقدير.

ومنذ اللحظات الأولى لتفشي وباء "كورونا"، قال التوم: توجهت لوزارة الصحة بتقديم مبادرة تطوعية بالتنسيق لأجل الذهاب للضفة لمساندة الأطباء في مواجهة الوباء، كوني أمتلك الخبرة الكافية في التعامل مع الوبائيات وأبرز وسائل الوقاية منها.

 

وجاء رد الوزارة، والكلام للتوم، بالموافقة، "فطلبت منها الذهاب لأكثر المناطق انتشاراً للوباء، فكانت ضواحي مدينة القدس، ثو توجهت بعد ذلك إلى الخليل ومكثت لمدة شهر، إلى أن انتقلت أمس إلى مدينة أريحا".

 

ومن المقرر أن يعمل "التوم"، حسب حديثه في فحص المسافرين العائدين عبر معبر "الكرامة"، بالإضافة للعمل في مستشفى خاص بـ "كورونا" سيتم افتتاحه قريباً في أريحا، يضم 1000 سرير.

 

حب المغامرة ومعايشة التجربة كان الدافع الأساسي لإصرار "التوم" على ترك عروسته الجديدة وعائلته والتوجه لمساعدة زملائه في مدن الضفة التي تفشى فيها فيروس "كورونا"، كونه حاصلًا على دورات متخصصة في التعامل مع الوبائيات و"كورونا" تحديداً، وفق حديثه.

 

ويسرد التوم لصحيفة "فلسطين"، اللحظات الأولى لهذا القرار، فكانت صعبة على زوجتي وأهلي، لكنّهم سرعان ما تقبّلوا الأمر وردوا بإجابات أطفأت عليه خوف الرفض "هذه مهنتك وعليك أن تُضحي لأجل الإنسانية".

 

ويقّص بكلمات تملؤها الثقة والإصرار "كانت خدمة الوطن ومهنة الطب الإنسانية هما الدوافع الأساسية لقراري، رغم المخاطرة المُحيطة بي (..) رسالتنا السامية أكبر من المشاعر الشخصية خاصة عند حاجة وطننا وأبنائنا لخدمتهم".

 

ساعات طويلة يمضيها "التوم"، والكلام له، في علاج مُصابي كورونا تصل إلى أكثر من 12 ساعة يومياً، تجعله غير قادر على التواصل مع عائلته وعروسته باستمرار، كونه يصعب عليه ملامسة الهاتف بسبب ارتدائه ملابس الوقاية والسلامة الخاصة بالحجر، وهو ما يزيد قلق عائلتي في كثير من الأوقات.

 

فحين نتحدث عن مكافحة وباء "كورونا"، فإن مهام الأطباء ستكون محفوفة بالمخاطر والخوف من انتقال العدوى لهم سواء من المرضى أم أحد الطواقم الطبية قد يكون مصاباً وينقل العدوى للآخرين، وهي ما يعتبرها "التوم" من الصعوبات التي تواجههم خلال عملهم، عدا عن الضغط النفسي والتوتر وارتداء ملابس الحجر لساعات طويلة في ظل الحر الشديد هذه الأيام.

 

تجدر الإشارة هنا إلى أن "التوم" لم يتوانَ للحظة واحدة بمساعدة أبناء شعبه، حيث توجه للمستشفى الاندونيسي وقت انطلاق مسيرات العودة وتطوع في مساعدة إسعاف المصابين آنذاك.

 

مواقف مؤثرة!

 

مهمة مكافحة "كورونا" التي لا تفرّق بين كبير أو صغير ليست سهلة، لذلك لن تخلو من مواقف مؤثرة، فعند السؤال عن أبرزها، صمت "التوم" قليلاً ثم التقط أنفاسه ليحدّثنا أكثرها تأثيراً على نفسيته.

 

ويحكي أنه استقبل عائلة جميع أفرادها مصابون بالفيروس عدا طفل واحد يبلغ من العمر 12 سنة، فحين قررت الطواقم الطبية نقل الطفل إلى الحجر الصحي حفاظاً على سلامته أخذ يصرخ ويردد "بدي أهلي وبدي أموت معهم".

 

ويقول الطبيب الغزاوي "حاولت احتضان الطفل واعتبرته مثل ابني وتهدئته وطمأنته بأن عائلته ستعود لاحتضانه في أقرب وقت، وأن سبب ابعاده عنهم هو الحفاظ على صحته".

 

ومن أقسى ما يعيشه الطبيب "التوم" حالياً هو بُعده عن عائلته وذويه فيردد "أصعب الغربة هي غربة الوطن (..) لا استطيع رؤية أهلي رغم قرب المسافة".

 

ويصف غربته عن عروسته بـ "الصعبة التي يشوبها الكثير من مشاعر الشوق" سيّما أنها أبلغته بأنها تحمل في أحشائها طفله الأول، مضيفاً "دائماً أتخيل نفسي أكون بجانبها في هذه المواقف الجميلة".

 

وفي ختام حديثه، وجه رسالة لكل أبناء الشعب الفلسطيني، بأن يكونوا على قدر من المسؤولية وعدم الاستهتار في التعامل مع فيروس "كورونا"، داعياً من يجد لديه أي أعراض للتوجه لإجراء الفحص حفاظاً على حياته والآخرين.

 

كما قدّم الطبيب التوم جُملة من النصائح، أبرزها: ضرورة التباعد الاجتماعي وعدم التجمهر، والالتزام بلبس الكمامات وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى، واتباع كل أساليب الوقاية والتحلي بالصبر، في ظل ضبابية أزمة "كورونا".

 

f8a73492-78f9-4731-bc74-25cb2119fc03.jpg