بات من الواضح تماماً أن دولة الاحتلال لا تريد السلام، بل على العكس من ذلك فهي تعمل ليل نهار من أجل منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، الأمر الذي يدعونا نحن الفلسطينيين، لإعادة النظر في مجمل السياسة التي اتبعناها ونتبعها حالياً، فقد استغلت دولة الاحتلال انخراط منظمة التحرير معها في مفاوضات سلمية من أجل تحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران، لتسمين المستعمرات وزيادة عدد المستعمرين، من خلال إطالتها لهذه المفاوضات وضربها بعرض الحائط بكل الاتفاقات الموقعة معها وبحضور وضمانة من الولايات المتحدة وروسيا، وأكدت في جميع مراحل المفاوضات أن المواعيد غير مقدسة إلى أن وصلت هذه المفاوضات الى طريق مسدود، منذ سنوات.
الواضح ان حل الدولتين اليوم يبدو عقيماً تماماً كما المفاوضات. فدولة الاحتلال قضت على حل الدولتين من خلال بناء المستعمرات وضم الأراضي وشق الشوارع الاستيطانية، وضم القدس والعمل على أسرلتها، وتعمل على ممارسة المزيد من الضغوطات على شعبنا لإرغامه على الرحيل عن أرض آبائه وأجداده، لجعله أقلية وسط بحر من المستوطنين بل المستعمرين والمستعمرات التي تزداد يوماً بعد آخر.
عمليا انه منذ بدء العملية السلمية، زادت أعداد المستوطنات لأكثر من ٢٢٠ وتضاعفت أعداد المستوطنين لأكثر من ٧٢٠ الف مستوطن في الضفة بما فيهم ٢٠٠ ألف في القدس الشرقية. مصادرة الأراضي مستمرة، وفرض الحقائق والسياسات العنصرية مستمر، والإعدامات الميدانية ضد الشعب بحجج الأمن الواهية مستمرة، وأشكال الاحتلال مستمرة من الإذلال الى الاحتجاز الى الأسر إلى القتل وصولاً لاقتطاع أموال المقاصة والضغط المستمر على القيادة الفلسطينية لترضى بالوضع الراهن مقابل الاستمرار بالوجود!
اننا لم نلمس أي تقدم على مسار المفاوضات منذ ان قبلت منظمة التحرير الفلسطينية رؤية حل الدولتين وبناءً عليها خاضت تجربة المفاوضات العقيمة، تجربة بدأت منذ ٣ عقود باعتراف فلسطيني بدولة (اسرائيل)، الا ان التجربة لم تتوج بحل الدولة الفلسطينية حتى اليوم، حتى حكومات المجتمع الدولي التي تتبنى وترعى حل الدولتين.
فما دام الجانب الاحتلالي يعمل ويسعى بدعم من الادارة الاميركية على وأد حل الدولتين، فإن على الجانب الفلسطيني إعادة النظر بسياسته، وعدم الاكتفاء بوقف العمل في الاتفاقات الموقعة مع الجانب الاحتلالي، لأن الاحتلال ماضٍ في سياسته بشأن الضم والتوسع، ومنع اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م.
إن مواصلة الرهان على المفاوضات أصبح لا مبرر له، لأن مثل هذا الرهان لا يمكنه أن يحقق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال الناجزين. وهنا لا بد من اخذ العبرة من سنوات التفاوض الذي استغلها الاحتلال أحسن الاستغلال لتنفيذ أطماعه في كل الارض الفلسطينية، لذا من الواجب الوطني أن يعاد النظر في كل السياسات السابقة والعمل على توحيد الصف الوطني، ووضع استراتيجية عمل موحدة يمكنها مواجهة تحديات المرحلة والسير بقضية شعبنا نحو بر الأمان خاصة ان المرحلة الحالية هي من أصعب المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية.
واذا كان العالم العربي والاسلامي مشغولا بأوضاعه الداخلية، فلا بد ان نكون نحن الفلسطينيين اكثر يقظة لإسقاط المؤامرة والمخططات التي تحاك من الادارة الاميركية ودولة الاحتلال اللذين يستغلان ذلك لتمرير مؤامرتهما المتمثلة بصفقة القرن، ولا مجال سوى تغيير السياسات السابقة واستبدالها بسياسات اخرى قادرة على المواجهة واسقاط هذه المؤامرة التي هدفها تصفوي لصالح دولة الاحتلال الا وهي الرجوع الى الوحدة وانهاء الانقسام.