قائمة الموقع

سالم شُرّاب.. طبيبٌ "يقع في حب" الكاميرا

2020-07-29T18:16:00+03:00

العاشرة مساءً، عينا سالم شراب تراقب الشاشة المقابلة، وارتجاف يديه وحركة عينيه السريعة لا تخفيان عمن حوله، أفزع قلبه احتمال الخسارة الذي بات يكبر مع كل دقيقة إضافية يقضيها عندما تأخر المنشور الذي سَيُعلن من خلاله عن الصورة الفائزة في مسابقة الاتحاد العالمي لطلبة طب الأسنان.

تنزل كلمات المفاجأة على سالم، لتنفضَ عنه غبار الترقب والخوف، وتبشره بأن هذه الخطوة الأولى من مسيرة طويلة يقودها الشغف وتحدي الواقع المُرّ، فتُتوَجُ بـ"أجمل لحظات الحياة" كما يصف.

سالم طالبٌ يدرس حاليًا في المستوى الرابع من كلية طب الأسنان، يجمع بين مهنة يدرسها وهواية يفضي احتباس الروح خلالها ويستثمرها في خدمة تخصصه، فيكون التصوير وطب الأسنان على اختلافهما طريقين لهدفٍ واحد.

اكتشاف

كان الكشف عن هواية التصوير لدى سالم عندما استعار الكاميرا الخاصة بصديقه ليوثق تفاصيل نزهة مع عائلته في أحدِ الأماكن الخضراء، دون أن يكون على دراية كافية كيف تعمل الأزرار ولا كيف تُدارُ الكاميرا، لتغمض العدسة عينها فتخرج له بصورٍ تُدهش من حوله وتنبهه إلى موهبةٍ لا بدَ من صقلها.

"المرة الأولى التي أمسكت بها الكاميرا كانت عام 2015، ما شعرتُ بنفسي إلا وأنا أقع في حب هذا الشيء عندما بدأتُ باختيار الزوايا وتوزيع عناصر الصورة فأخرج بنتائج جميلة تنال إشادة من حولي"؛ يقول سالم في دردشة مع صحيفة "فلسطين"، كأنما يرسم بكلماته لوحة فنية.

بدأ سالم بعد ذلك رحلة التجربة والاستكشاف بنفسٍ فضولية تبحث دوماً عن المزيد من التفاصيل، فلم يتردد باستعارة الكاميرا من أصدقائه أو التصوير بهاتفه المحمول، حتى وصل إلى قرار شراء الكاميرا الخاصة به والانتقال للخطوة القادمة.

كان ذلك مفاجئًا لعائلة الشاب التي "استغرَبَت من هذا القرار في البداية وذلك لأني لم أكن أعِر اهتماماً للتصوير من قبل، لكن سرعان ما غلب التشجيع على كلماتهم"؛ يواصل نسج الحكاية؛ كأنما يرصد حلمه في الآفاق.

حلمٌ مزدوج

تصعب سالم في بداية مشواره بالتعرف إلى أسرار الكاميرا ومهاراتها بعد أن تطورت علاقته بها لتصبح عدسة عينه التي يرى من خلالها الأشياء ويحفظ ملامحها في ذاكرته، فيسعى إلى تعلم أساسيات هذه المهارة عن طريق الإنترنت وأصدقائه المصوِّرين، ويقضي عامين بين توثيق لحظات حياته وتطوير هوايته في التصوير ليقرر بعدها شراء الكاميرا الاحترافية(Canon 80d) بالتزامن مع إنهائه مرحلة الثانوية العامة.

رغم حبه للتصوير اختار آنذاك الفرع العلمي، في قرارٍ لا ينسى تفاصيله: "حلمت بالطب منذ الطفولة ولم أتوقع يوماً أن أعمل بمجال التصوير، فدوماً ما راودتني أفكارٌ جميلة بالجمع بين الشيئين".

بدأ بعدها سالم مسيرته الجامعية بكلية طب الأسنان فتميز منذ عامه الأول وكان ركيزة أساسية في تصوير نشاطات الكلية وفعاليات الاتحاد الفلسطيني لطلبة طب الاسنان عبر عدسته الخاصة.

تسلَّل التردد إلى سالم بالمشاركة في مسابقة أعلن عنها الاتحاد العالمي لطلبة طب الأسنان في جنيف عام 2017 لأفضل صورة فوتوغرافية تعبر عن الصعوبات التي تواجه طلاب هذا الاختصاص في الدراسة، وذلك لقله خبرته واعتقاده بأنه هاوٍ.

لكن سرعان ما تبدد هذا الاعتقاد بالتزامن مع بدء رؤيته صور زملائه الذين يرغبون بالمشاركة من حول العالم، ليوقن حينها أن المنافسة ليست مستحيلة كما ظنَّ، وعليه استثمار الوقت لإيجاد فكرة مميزة تعبر عن موضوع المسابقة.

"كانت فكرة صديقٍ لي من كلية طب الأسنان، حيث شرح الصعوبة في إتمام الواجبات العملية للتخصص في ظل انقطاع التيار الكهربائي، ثم بحثت عن مكان يبرز الفكرة وفور إيجاده بدأنا بالتجهيز ثم التقاط الصورة"، التي شارك بها في انتظار النتائج.

بعدما تفشى الشكُّ بين تلافيف عقله، جاءت لحظة الفرج المنتظرة، وكانت كلمات الإعلان عن الفائزين بالمسابقة تصنع أولى خطوات المشوار: "الطالب سالم شراب من فلسطين يفوز بأفضل صورة حول العالم تعبر عن الصعوبات التي تواجه طلاب طب الأسنان أثناء الدراسة".

أعطاه ذلك حافزاً ليسلك طريق التصوير جديًّا، ليُحدث نقلة نوعية في صوره بعد ذلك؛ فما كان منه إلا أن أدخل التصوير في جميع المناحي ليصبح ركيزة لا تقوم الحياة إلا بها، فصوَّرَ الأسنان التي يعمل بها، وتطور أداؤه في تصوير الطعام باحترافية، كما لم يتردد في تصوير أصدقائه بألبسة ووضعيات غريبة ملفتة للنظر.

"صديقة قوية" له؛ بهذا يصف تطور علاقته بالكاميرا، مدللا على ذلك: "لا أستطيع أن أعيش محطات يومي إلا بها، عندما كُسرت العدسة في أحد الأيام، شعرت بأن عيني لا ترى!".

تطلع سالم إلى جوائز أخرى في هذا المجال فبادر بالمشاركة في مسابقة (Novell Gaza) السويدية وفاز بها عبر صورتيه، حيث كانت الأولى تُعبر عن طفلة غزيّة تجلس على إحدى الحجارة وقد ابتلت بمياه البحر، أما الثانية رسمت تفاصيل صبيٍّ يصنع الفخار فيباغته شعاعٌ من النور في غرفته المظلمة.

شُعاعٌ نحو المستقبل

لكن قصة سالم لم تنتهِ بعد، فقد وجد في التصوير السنيمائي وسيلته في نثر الغبار عن الهواية التي تطورت إلى موهبة، وما كان منه إلا أن يهتم بتفاصيل هذه الشخصيات والتركيز عليها من خلال صوره، ورغم الصعوبات التي يمكن أن تواجهه في قطاع غزة إزاء هذه الهواية إلا أنه تمكن بالتعاون مع أخته التي ساعدته في اختيار الأفكار وكانت موضوعاً لصوره من أن يخرج بنتائج مميزة تشُدُّ عينَ الناظر إليها وتستملكه.

يوزع سالم نظراته كأنما يرى بأم عينيه مشهد "البداية": "كنتُ غارقاً بترتيب خزانة ملابسي حين وجدتُ زي القرصان، فكانت خطوتي الأولى في تصوير الشخصيات السنيمائية ورحلة البحث عن كيفية وضع المكياج لهذه الشخصيات ثم خضت هذه التجربة التي لاقت صدى واسعًا".

يطمح سالم بعد إنهاء دراسته الأكاديمية لطب الأسنان إلى دراسة الدبلوم الخاص بهذا المجال في جامعة أوكسفورد، والتخصص في مجال صناعة أغلفة الأفلام، وذلك لميله لتفاصيل الشخصيات وملامحهم والأزياء الخاصة بهم.

وكعادة الحصار الذي يحاول خنق كل حلم في غزة، فقد أقبل أيضاً على سالم فاغراً فاهُ، حيث لا يستطيع توفير أدوات التصوير أو استيرادها بسهولة، كما تصل بأسعار باهظة نتيجة تأخرها على المعبر، ليضطر إلى أن ينجز عمله بأدوات بسيطة ومعدات محدودة.

يتطلع سالم إلى أن يصبح طبيب أسنان ناجحًا ومشهورًا من خلال تطوير هوايته في جميع المجالات خاصةً في مجال طب الأسنان، كما يهدف إلى أن يكون محاضراً في مؤتمرات طب الأسنان العالمية عارضاً تجربته لباقي الأطباء.

"سيساعدني التصوير بشكل كبير في مجال مهنتي، حيث إنَّ الاهتمام الآن يتوجه إلى التصوير الفوتوغرافي لحالات طب الأسنان والتسويق للإبداع في هذا المجال ودمج الأفكار بينهما"؛ هكذا يُبدي الشاب درايته بكيفية توظيف الطب مع التصوير.

يطمح سالم إلى أن يستزيد ولا يرضى بفتاتٍ تمنحه الحياة إياه في ظلِّ الحصار، فيما كلماته تقطرُ ثقةً بأنه سيصل إلى ما يصبو إليه من كبار الأحلام.

 



 

 

 

 

اخبار ذات صلة