لم يرُق للسلطة في رام الله، السماح للمواطنين بالتحرك والنزول إلى الشارع للتعبير عن رفضهم للفساد في المؤسسات الرسمية وداخل الأجهزة الأمنية، فعملت على اعتقال 21 ناشطاً من القائمين على حراك "طفح الكيل"، وزجت بهم في السجون بتهمة "التجمهر غير المشروع ومخالفة أنظمة الطوارئ".
وأطلق النشطاء والمواطنين اسم "طفح الكيل" على حراكهم، نتيجة عدم قدرة الشارع الفلسطيني على الاستمرار بالصمت على تجاوزات مؤسسات السلطة، وخاصة في قضايا الفساد التي يتم كشفها بشكل متواصل والتي كان آخرها التعيينات والترقيات لأبناء وأقارب المسؤولين والوزراء.
وشهدت الضفة الغربية حراكا مؤخرا ضد فساد السلطة، حيث شهد دوار المنارة وسط مدينة رام الله، الأحد الماضي، احتشاد المئات، في حين حولت أجهزة أمن السلطة تلك المنطقة إلى ثكنة عسكرية، واعتقلت القائمين على الحراك.
ومن اليوم الأول لوجود نشطاء حراك "طفح الكيل" في سجون السلطة، أعلن غالبيتهم الدخول بإضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم غير القانوني، وتوجيه تهم باطلة لهم، كونهم يتحركون ضد الفساد، وكمحاولة للقضاء على حراكهم.
وأكد الدكتور عز الدين زغلول أحد القائمين على حراك "طفح الكيل"، أن الضفة الغربية تشهد يوميا احتجاجات ضد إجراءات السلطة، عبر حراك للتجار وموظفي القطاع السياحي ولم يتم منعهم أو اعتقال عدد منهم.
وقال زغلول لصحيفة "فلسطين": إن الوقفة الاحتجاجية التي نظمت عند دوار المنارة وتم منعها بالقوة وقمع النشطاء والمواطنين، دليل أن هذه الحراك أزعج بعض المسؤولين لأنه يتنافى مع مصالحهم الشخصية.
وعد أن محاربة الفساد في مؤسسات السلطة سيضع المسؤولين في خطر، مؤكدا أن القائمين على الحراك سيواصلون حراكهم للتعبير عن حقهم في محاربة الفساد المستشري بمؤسسات السلطة.
واعتبر منع الاحتجاجات السلمية ضد الفساد، يأتي ضمن سياسة تكميم الأفواه، والاعتداء على حرية الرأي والتعبير التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني لكل مواطن.
وبين زغلول أن الفساد في مؤسسات السلطة تسبب في ارتفاع نسبة البطالة، وأثر على حياة الموطنين وزيادة الفقر بين الناس في عموم الضفة الغربية.
وعن اعتقال النشطاء من قبل أجهزة أمن السلطة، أشار زغلول إلى أن 13 ناشطاً أعلنوا الإضراب عن الطعام رفضاً لاعتقالهم, إضافة إلى أن أحدهم وهو جهاد عبدو تم تحويله إلى المستشفى بسبب تدهور حالته الصحية.
وذكر أن النزول إلى الشارع جاء بعد تصريح لرئيس الحكومة محمد اشتية، بأن الحرية "سقفها السماء"، ولكن على الأرض الأمر مختلف تماماً، فالاعتقالات متواصلة.
وحمل الناشط رئيس السلطة محمود عباس، وحكومة اشتية المسؤولية الكاملة عن اعتقال نشطاء ضد الفساد، وسلامتهم الشخصية وتدهور حالتهم الصحية.
وأكد زغلول أن الاعتقالات لن توقف حراك "طفح الكيل"، حيث أعلنت اللجنة التنسيقية برنامجا تصعيديا في كل من الخليل ونابلس ورام الله وصولا لتحقيق أهدافه بالقضاء على الفساد.
تعبير الشارع
وأوضح صهيب زاهدة منسق الحراك العمالي الفلسطيني، أن حراك المواطنين ونزولهم إلى الشارع، جاء نتيجة قضايا فساد متراكمة في مؤسسات السلطة منذ عامين، والذي شهد زيادة ملحوظة في الفترة الأخيرة مع القرارات الرئاسية التي تم اتخاذها وخاصة التعيينات في الوزارات لأقرباء المسؤولين، وتأسيس هيئة خاصة للرئاسة.
وأشار زاهدة لصحيفة "فلسطين" – قبيل اعتقاله من أمن السلطة بعد ظهر أمس - إلى أنه من الأسباب التي دفعت الناس إلى التحرك، هو إدارة الحكومة لأزمة كورونا، وكل الأموال التي جمعتها من المواطنين ومؤسسات القطاع الخاص من جمارك وضرائب، شهدت فسادَا في صرفها، "لذا من حقنا الاحتجاج حتى يتم تصحيح المسار".
ولفت زاهدة إلى أن السلطة قمعت بقوة النشطاء والمواطنين الذين قرروا النزول للتظاهر عند دوار المنارة، حيث تم الاعتقال على الصورة والهوية، وزجهم في السجون، وملاحقة الآخرين، وهو ما يعد تجاوزاً للقانون.