فلسطين أون لاين

"الرسوم الجامعية" تطفئ وهج طموح متفوقين بدراسة الطب

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

بعد أيام ستنتهي طقوس احتفاء الأهالي بتفوق أبنائهم، وتبدأ مرحلة من القهر والوجع، فالكثير من الآباء - وأمام الظروف الاقتصادية الصعبة في غزة بفعل الحصار - لا يستطيعون تلبية طموحات أبنائهم، بعضهم سيلجأ إلى تأجيل الحلم، البعض الآخر سيضطر مرغما لقتله والاكتفاء بنتيجة التوجيهي (فلا يملك باليد حيلة) وكأنها آخر المطاف، هناك من سيتحمل دينًا ماليا إن وجد من يقرضه مالا، فكل أب يعيش لحظات صعبة خاصة إذا ما تعلق الأمر بحلم دراسة "الطب".

"والله تعبنا كتير؛ كانت تمر علينا أيام يطلع فيها شمس اليوم الثاني واحنا مش نايمين، كل السنة كانت للدراسة" .. كلماتها المقهورة مغروسة في قلبها، فرغم أنه لم يضع تعب الطالبة المتفوقة في الثانوية العامة شمس نصار الحاصلة على معدل 99.4%، لكن وهج حلمها بدراسة "الطب" بدأ يأفل بعدما كان يشرق في قلبها منذ طفولتها.

عاشت شمس فرحة "حلوة لا توصف .. ربنا أعطاني المعدل لكنها لا تكتمل إلا لما اتخصص طب" تصر الطالبة التمسك بحلمها، ولا ترى نفسها إلا طبيبة، بل إنها سهرت الليالي ولم تعرف عيونها النوم إلا ساعات قليلة، تحدت كل شيء لأجل حلمها، وهي الآن تقف أمام انهيار الحلم أمام ناظريها لعدم قدرتها على الحصول على منحة دراسية.

يأخذها صوتها إلى لحظة إعلان النتائج: "كانت فرحة متوقعة وعارمة، شاركتني بها عائلتي، لكنني أحلم منذ طفولتي بدراسة الطب، وكلي أمل بتحقيق حلمي، لأني متعلقة به منذ الطفولة".

حلم "شمس" لم يكتمل

"درست لأجل هذا المعدل ولأجل حلم الطفولة كوني أعرف أنني لن أحصل على الطب إلا من خلال منحة دراسية" ولأجل ما خشيت منه زادت شمس في اجتهادها: "كنت أدرس 24 ساعة متواصلة وما أنامش إلا ساعتين" تتحدث مع صحيفة "فلسطين" عن الجهد الذي بذلته.

لم تحظ شمس بأن تكون ضمن قائمة العشر الأولى على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها حصلت على الترتيب السابع على مستوى القطاع، إلا أنه لم يمكنها من الحصول على منحة، وكما أنها لا تستطيع التسجيل في الطب على نفقة عائلتها، فتكلفة دراسة الطب الإجمالية "24 ألف دينار .. رسوم فوق الخيال"؛ على حد وصف الطالبة المتفوقة.

تجسد قصة شمس معاناة العديد من الطلبة المتفوقين الذين تكسرت أحلامهم ووقعت تحت سيف الظروف الاقتصادية لعائلاتهم.

طموح على "المحك"

الطالب أحمد أبو مسامح من مخيم المغازي بمحافظة الوسطى، حصل على معدل 98.7% بالفرع العلمي، يقول: "كان أملي الكبير أن أحصل على منحة دراسية تساعدني في إكمال دراستي الجامعية، فأوضاعنا المادية لا تسمح بالالتحاق بجامعات الوطن (...) أيقنت بنتيجتي أنني لن أحصل على منحة وأن الطريق لتحقيق حلمي لن يكون سهلا".

منذ طفولته وهو يحلم بدراسة الطب نظراً "لإنسانية هذه المهنة ولخدمة بلده وكان ذلك أيضا حلماً لوالده المريض الذي كان يراه طبيباً ، "ولكن لم اكن اعلم ان اوضاعي المعيشية الصعبة ستقف حائطاً أمام احلامي ورغباتي" يردف.

تحط رحال كلماته عند تعبه في المذاكرة: "هذا المعدل الذي حصلت عليه لم يكن بالأمر السهل فلقد سهرت الليالي ودرست دون كلل او ملل للحصول عليه، ورغم الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها عائلتي الا انني لم أتخلَ عن هدفي وحلمي في التفوق والنجاح وأن أصبح طبيباً ".

لا زال يروي رحلته في المذاكرة: "لم أتلق دروسا خارجية (خاصة) نتيجة ظروف العائلة، واعتمدت على نفسي، وبذلت جهدا مضاعفا لكي أبقى متابعا لجميع الأسئلة والأفكار الجديدة، وكنت أتأثر بانقطاع التيار الكهربائي".

الخيار "المر" أمام أبو مسامح هو دراسة "الفيزياء"، يقول بعد أن احتسي جرعة من صمت وجمع كل أمنياته في تنهيدة واحدة: "الآن مطلوب مني دفع رسوم الفصل الأول كاملة 1700 دينار، فمن أين سآتي بها ووالدي عاطل عن العمل".

مسؤولية تضاعفت بأربع

جاءت جنات أبو زبيدة بفرحة غمرت عائلتها وحصولها على معدل 97.4% في الفرع العلمي، لكن المسؤولية زادت على والدها مريض الأورام، والذي يعيل شقيقاتها الجامعيات الثلاث.

"الحمد لله شعور حلو كتير؛ وفرحة فوق المتوقع" .. تلك الفرحة التي عبرت عنها جنات، باتت مهددة كذلك.

ولا يخفي والدها هذه المعاناة: "ظروفنا المادية صعبة، فالطب مكلف جدا، ولديها ثلاث أخوات في الجامعة ستكون الرابعة، وكوني مريض أورام من الصعب تدريسها الطب على نفقتي الخاصة ".

كيف استقبلت النتيجة؟ .. يخرجه السؤال من أرقه بمستقبل ابنتها، مستعيدا لحظات الفرح: "فرحتنا لا توصف، ولا تعبر عنها الكلمات، وجاءت بوقت احتجنا فيه الفرحة بعد ظروف مادية صعبة".

اضطرت العائلة للتفكير بخيار غير مقتنعة به لكن يمكنها من الحصول على منحة، فيما يبدي الأب حسرته: "قد لا أستطيع تسجيل بناتي للفصل القادم نتيجة الظروف".

من جهته يقول منسق الحملة الوطنية لتخفيض الرسوم الجامعية إبراهيم الغندور: إن الأوضاع الاقتصادية ستدفع طلبة لدراسة تخصصات لا تناسب تطلعاتهم وطموحاتهم لأنها أقل تكلفة، في ظل عدم مقدرة الطلبة وذويهم على تأمين الرسوم الجامعية، مردفا: "هناك ارتفاع في تكلفة التعليم الجامعي في الأراضي الفلسطينية ومطلوب من الجامعات تخفيض الرسوم وبلورة خطة للارتقاء بالتعليم واعتماد برامج تناسب متطلبات سوق العمل"؛ وفق قوله.

تنافس شديد

من ناحيته يقول عميد شؤون الطلبة بالجامعة الإسلامية د. سعيد الغرة: إن هناك تنافسا شديدا على التسجيل في كلية الطب بالجامعة الإسلامية، مضيفا لصحيفة "فلسطين" أنه بعد دفع رسوم الفصل الأول من التسجيل فقد يحصل الطالب على منحة بنسبة 50% إذا كان حافظا للقرآن الكريم، أو منحة إخوة 15-30% حسب عدد الإخوة.

ويتابع: " إذا حصل على امتياز بتقدير 90 % فيحصل على منحة امتياز بنسبة 35%، أما إذا حصل على معدل فصلي بنسبة 95% فسيحصل على منحة تبلغ 70%، فضلا عن منح أبناء الأسرى والشهداء وتبلغ 100%"، لافتا إلى أن طلبة الطب يستفيدون من هذه المنح، كما أن الجامعة تقدم منحا عديدة تصل لأكثر من 21 منحة مختلفة".

ويوضح الغرة أن أوائل الطلبة على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة يستفيدون من منحة رئيس السلطة، وكذلك منح الأوائل على مديريات المحافظات.

وعن مفتاح القبول للطب، يوضح أن من يتعدى 95% من الطلاب و96% من الطالبات في الثانوية العامة يحق له التقدم للالتحاق بكلية الطب، مشيرا إلى أن الدفعة الأولى من المقبولين بلغت معدلها في الثانوية العامة لدى الطالبات من 99.7- 97%، والطلاب من 99.6- 96.6%، فيما انخفض القبول في الدفعة الثانية إلى 96.6% للطالبات، وللطلاب 96.1%، وأن الجامعة غدا ستنظر في مفتاح القبول حسب اكتفاء الكلية بالعدد المطلوب من عدمه.

ويؤكد الغرة على جودة التعليم في الجامعة، قائلا: لضمان جودة التعليم والحفاظ على مستويات دولية يتقدم طلبة الطب لامتحانات دولية (IFOM) بعد انتهاء الثلاث سنوات الأولى من التعليم الأساسي، ثم امتحان آخر بعد التخرج؛ وفق حديثه، مبينا أن إدارة الجامعة وكلية الطب تسعى جاهدة لتميز دائم لطلبتها لاسيما من خلال توفير الكادر الأكاديمي المميز.

نفقات واحتياجات

عميد شؤون الطلبة في جامعة الأزهر د.عبد ربه العنزي، يقول من ناحيته: إن" سعر الساعة الدراسية مرتبط بطبيعة الكلية ومستوى النفقات فيها، واحتياجات ومستلزمات كلية الطب مختلفة وتتضمن معامل تستوجب رفع سعر الرسوم"، مضيفا أن جامعته "لا تستطيع تحمل أعباء مالية وهي تعاني من أزمة مالية"؛ وفق قوله.

ويتابع العنزي لصحيفة "فلسطين": "الرسوم مشكلة ينبغي على الجميع المساعدة في حلها، والجامعة ليست طرفا فيها لأنها واقعة بين أحلام الطلبة والمستلزمات الحقيقية التي يجب أن توفرها"؛ وفق تعبيره.

ويقول العنزي: إن عدد الطلبة الحاصلين على معدلات فوق 95% حسب المؤشرات الظاهرة من نتائج الثانوية العامة يتجاوز 1500 طالب، مردفا بشأن الحل المطلوب لمعالجة المشاكل المالية لمن لا يستطيعون تسديد الرسوم بأن "على الجميع تحمل مسؤولياته، في بحث مسؤولية ارتفاع أسعار الدراسة الجامعية، تساهم في إنشاء صندوق لدعم الطالب من السلطة وقوى الرأي العام، ولا يجوز التعامل مع الجامعة على أنها المتهم".

مساعدة ومنح

من جهته، يقول مدير عام التعليم الجامعي بغزة د. خليل حماد إن الطب له متطلبات وأجهزة وأدوات، خصوصا أن الأعداد المطلوبة قليلة، و"كما أن الرسوم الدراسية للطب فيها نوع من الارتفاع فإن احتياجات الجامعات مرتفعة كذلك"؛ وفق حديثه.

ويؤكد حماد لصحيفة "فلسطين" أن وزارة التربية والتعليم، تدعم المحافظة على المؤسسات وتقدم منحا خاصة للطلبة المتميزين والمتفوقين، مردفا: "الطلبة أمانة في أعناقنا وكذلك الجامعات ونحن نوفر كافة الإمكانيات".

وحول المنح المقدمة، يوضح أنها تختلف من عام إلى آخر، فهناك منح مجلس الوزارة ومنح خارجية كثيرة، مشيرا إلى أن أكثر من 10 دول قدمت منحا العام الماضي ومن بينها كلية الطب.