فلسطين أون لاين

إذا وقع المراهق في "الحُب".. لسعات "الشبشب" لن تُجدي نفعاً!

...

غزة - فلسطين أون لاين

استيقظ أهل الشارع يومذاك على صوت لسعات "شبشب" أم إبراهيم تلسع به أكتاف وأرجل ابنتها "سمية" ذات الخمسة عشر عاماً، كان يوماً لا يُنسى عندما ضبطت في حقيبتها المدرسية ورقةً مرسومٌ عليها "قلب حب" وسهمٌ عند طرفيه حرفان أحدهما "س".

كان فحوى الرسالة يتحدث عن شابٍ يحبها "بحجم البحر"، ويخبرها بأنه سينتظرها العمر كله، وأنه سيتحدى العالم كي يحظى بها أميرةً في مملكته! مع توقيع (المتيم فادي).

بعد أن ابتلعت أمها الصدمة، كانت كل العائلة قد عرفت بـ "المصيبة" التي ارتكبتها "سمية"، حتى أخواتها الأصغر سناً، عرفن عن "حب" أختهن عندما بدأت أمهن تصرخ في وجوههن "والله لأربيكم، والله اللي بتعمل متلها لأورجيها".. الخ من ديباجات التهديد والوعيد.

تقول "سمية" صاحبة الاسم المستعار لـ"فلسطين": "حدث هذا قبل حوالي 20 عاماً، كنت وقتها صغيرة، وقد تعرفت إلى صديق من المدرسة المقابلة، شعرت تجاهه بمشاعر أستطيع أن أسميها حباً، استمرت الرسائل بيننا على مدار شهرين فقط قبل أن تكتشف أمي المصيبة".

ما فعلته أم سمية عندما اكتشفت الأمر ترك جرحاً غائراً على جبين ابنتها كلما ذكّرها أحد إخوتها بالمشهد وهي تتلقى الصفعات عن يمينها وشمالها، وعلى الرغم من أنها تزوجت، وأنجبت الأطفال، إلا أنها لن تنسى تصرف أمها معها يوماً، وتقول :"أخشى لو قدر لي الله وأنجبت فتاةً أن أتصرف معها بنفس الطريقة لو اكتشفت أنها على علاقة مع فتىً.. على الرغم من أنني أبصم بأن تصرف أمي آذاني إلا أنني لا أعرف أي تصرفٍ آخر يجب أن أتبعه غير هذا".

لو اكتشف أبٌ أو أم أن ابنهما أو ابنتهما (في سن المراهقة) توغلا في قصة حب، كيف يجب أن يتصرفا؟ قبل أن نجيب علينا أن نعلم أن أي تصرف خاطئ يمكن أن يكون سبباً في خسارة المراهق إن قرر أن يتحدّى أو يعاند لمجرد أن أبويه لم يضعاه على الطريق الصحيح.

مش فاضي.. بيحب!

وبالمقارنة مع جيل اليوم بات الآباء –إلا من رحم الله- يتساهلون أكثر مع موضوع العلاقات بين الجنسين، أو ما يسمى بـ "الصداقات بين الولد والبنت" سيما لو كان ابنهم "ذكراً"، ربما كنتيجةٍ طبيعية للانفتاح الثقافي على البلدان الأجنبية، وإفرازات المادة الإعلامية التي باتت تقدم العلاقات بين الشباب والفتيات على أنها أمر طبيعي جداً خصوصاً في فترة الدراسة.

تُقسِم شادية (اسم مستعار) وعمرها 19 عاماً، بأن والدتها بالصدفة البحتة وجدت رسالةً في حساب أخيها ذي الأربعة عشر عاماً من فتاة تصغره بعامين، يتبادلان فيها عبارات الحب والشوق! تقول: "أطلقت أمي ضحكةً عالية، وعندما جاء أخي قالت له أيوة يا مقطع السمكة وديلها"!! ومنذ ذلك الوقت تأخذ الأمر بصيغة المزاح.. مثلاً لو تأخر أخي عن أداء مهمة كرمي كيس القمامة في الحاوية، تضحك وتقول :"مهو مش فاضي.. بيحب".. وهكذا.

تؤكد شادية أنها واجهت أمها بوجوب أن تأخذ موقفاً من تصرفات أخيها مع تلك الفتاة "خشية أن يتطور الأمر أكثر، وهو لا يعي بعد لا معنى الحب ولا معنى المسئولية"، أما أمها فترد عليها بمنتهى البرود :"يعني شو بدو يعمل، خليه يعيش حياته إنتِ التانية".

وتزيد: "سألتها، طيب لو كانت الرسالة في حاسوبي أنا؟ هل كان سيكون تصرفك هو ذاته؟ فنظرت إليّ وضحكت ثم قالت :"أنا بالنسبة إلي يعني ممكن أبهدلك شوي، بس إنتي ما بتعمليها، أما أبوكي راح يدبحك عالقبلة"، مع العلم أن والدها يعرف بشأن صديقة أو "حبيبة" أخيها الصغير، ولم يفعل شيئاً هو الآخر سوى أنه ضحِك.

بالتعريض..

كيف يجب أن يتصرف الآباء لو اكتشفوا وقوع أبنائهم المراهقين في شراك "الحب الصبياني"؟ يجيب رئيس مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات بغزة د. درداح الشاعر بالقول :"لا أجد المواجهة حلاً مجدياً في هذه الحالة، إذا حدثت الأمر سيزيد تعقيداً، قد يحبط المراهق أو ينطوي على نفسه خجلاً من فعلته –خصوصاً البنات- وقد يعاند ويتحدى أهله مستمراً في علاقته تلك بسرية تامة وبطريق الحيلة".

ويوضح أن على الآباء وبمجرد أن يدخل أبناؤهم سن المراهقة، بناء ممر يصلهم ببعضهم البعض، ومساحةٍ تتيح للأب أن يحدث ابنه بكل أمور الحياة مع حفظ الاحترام والمسافة الأدبية، وهذا سيسهل عليه الحديث إليه في الأمور التي قد يجد فيها ضرراً على مصلحته أو حياته كعلاقات الحب الصبيانية على سبيل المثال، "التي يعي حتى هو نفسه أنها لن تنتهي بزواج كون المرحلة العمرية لا تسمح بذلك أصلاً".

ويزيد: "الأسلوب الأنفع هنا أسلوب التعريض، على الأم أو الأب إذا اكتشفا أن ابنهما أو ابنتهما على علاقة، أن يحافظا أول شيءٍ على هدوئهما، ثم فليعمدا إلى أسلوب التعريض".

و"التعريض" هو أن يكون الحديث عن نفس الموضوع مع اختلاق قصة باسم مستعار، مثلاً أن يقول الأب لابنه قصة ابن صديقه الذي تورط في علاقةٍ مع فتاة وهما صغيران، وأن المشاعر أخذتهما إلى الحرام، حتى عندما وقعت الفأس في الرأس صارت مشكلة كبيرة بين عائلته وعائلتها، وقد تعرض للسجن مدة طويلة، وعندما خرج لاقاه أهلها بالضرب المبرح حتى كاد يفقد حياته... الخ، أو أن تحدث الأم ابنتها عن ابنة صديقتها التي كانت على علاقة بشاب فأغواها، ولما اكتشف أهلها منعوها من الدراسة، ومنعوها من الخروج من البيت، ثم أجبروها على الزواج من ابن عمها ...الخ"، مع تبيان حرمانية الأمر والحديث بعدم وجود صداقة طاهرة بين شاب وفتاة غريبة عنه أبداً كون ذلك لن يخلو أبداً من الحرام "الخلوة مثلا".

بحثاً عن العاطفة والاهتمام

وأشار إلى أن لجوء الفتيان والفتيات صغار السن إلى إنشاء مثل تلك العلاقات قد يرجع إلى نقصٍ في الحب والحنان يعيشونه في ظل عائلاتهم، أو حتى عدم وجود الأذن المصغية التي يستطيعون أن يتحدثوا بما يشغل بالهم أمامها، ما يدفعهم إلى البحث عن الدفء والاهتمام خارج العائلة، منبهاً إلى أهمية الرقابة غير المباشرة التي يجب على الأهل ألا يهملوها مع أبنائهم بحيث يتتبعون خطاهم ويتعرفون إلى أصدقائهم والأحداث التي تحصل معهم بطرق غير مباشرة من خلال فتح باب الحوار والأحاديث التي تجر بعضها بعضاً.

وفي حال لم يجد التعريض نفعاً- يكمل د. الشاعر- لا بأس هنا من المواجهة، بالصراحة التي لا تخلو من الحنان "الشرط أن يعطي الأب أو الأم لابنهما المراهق الشعور بالأمان.. أي: أنا أتحدث إليك في هذا الأمر المحرج كي أنصحك لا كي أؤنبك"، متوجهاً بالنصيحة إلى الآباء بضرورة خلق الوقت للجلوس مع أبنائهم، وشغلهم عن أي تفكير ليس في محله ولا يناسب أعمارهم مع وضع قاعدةٍ أساسية للحياة كلها تقول: "ما بني على باطل فهو باطل"، وهذا ما يساهم في ترسيخه تعليم الأبناء منذ نعومة أظفارهم التفريق بين الحرام والحلال- يضيف.