تذوق طعم النجاح لحظة ينتظرها أي طالب في الثانوية العامة، ولكن النتيجة الطبيعية أن يكون هناك راسبون يحرمون هذه اللحظة، فيصابون وأهلهم بالصدمة باحثين عن السبب، وبعضهم يرفض تقبل الأمر ويبالغون في ردة فعلهم تجاه أبنائهم بسيل من الشتائم والضرب أحيانًا.
فهل يعني الرسوب في التوجيهي نهاية المطاف؟، لذا يجب أن يمنح الذي لم يحالفه الحظ في النجاح اهتمامًا كبيرًا مبنيًّا على التشجيع والدعم النفسي، للتخفيف من الصدمة التي عاشها، والأخذ بيده نحو شق الطريق نحو النجاح من جديد.
نهى وياسر شابان من غزة، رسبا في الثانوية العامة، يرويان لصحيفة "فلسطين" التفاصيل، طالبَيْن عدم كشف هويتهما.
عشية إعلان نتائج الثانوية العامة اجتمعت العمات في بيت نهى لكي يشاركنها في الفرحة صبيحة اليوم التالي عند صدور نتيجتها، التف الجميع حولها وهي تمسك هاتفها الذكي تنتظر أن تصل إليها رسالة بمعدلها.
انتظر الجميع طويلًا وبدأ التوتر يظهر جليًّا على والدي نهى وعماتها، حتى بحثت برقم جلوسها على الرابط الإلكتروني الخاص بالنتائج، وكانت الصدمة التي لم تتوقعها أنها راسبة، هنا لم تتمالك نفسها من الصدمة وأصيبت بانهيار عصبي نقلت في إثره إلى المستشفى.
بعد مرور أسبوع على صدور النتائج بدأت تتعافى بدعم والديها وعماتها لها، إذ ستعيد المواد التي رسبت بها في العام المقبل.
تعلل رسوبها بالضغط النفسي الذي يعيش فيه طالب التوجيهي طوال السنة الدراسية، وخوفه من خذلان والديه، والمقارنات بين أبناء الأقارب.
أما ياسر الذي درس في الفرع العلمي فيردد: "الرسوب ليس نهاية العالم"، صحيح أن فرحة النجاح لا تعوض، لكن الفرصة ما تزال أمامه لكي يحسن الاختيار هذه المرة.
يقول ياسر: "رغب والدي بأن أصبح مهندسًا يومًا ما، رغم أنهم يعلمون قدراتي بأنني لا أحب الفيزياء ولا الأحياء، وطالبتهم بالتحويل إلى الفرع الأدبي، ولكن أبي كان شديدًا في رفضه، ولكي ينسيني الأمر شجعني باستعداده إلى إلحاقي بالدروس الخصوصية في المواد التي أريدها".
ويضيف: "لم أستطع ممانعة رغبة أبي، وهذه هي النتيجة رسوبي، الذي شكل صدمة له لكونه لم يستوعب ما حدث، واليوم اقتنع أن يترك لي حرية التحويل أو إعادة المواد".
أسباب اجتماعية ونفسية
بدورها تقول الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة: "بينما ينشغل الجميع بالطلبة المتفوقين، الذين يحصدون أعلى الدرجات، يتجاهل كثيرون من لم يحالفهم الحظ في النجاح واجتياز المرحلة الثانوية، وقد يكونون ضحية أو مذنبين".
ترجع السعايدة في حديثها مع صحيفة "فلسطين" الرسوب الدراسي إلى أسباب صحية، ونفسية، واقتصادية، واجتماعية، وأكاديمية.
وتضيف: "الوضع الاقتصادي سيئ عمومًا؛ بفعل الحصار، خاصة في السنوات الأخيرة، إذ أعاق بعض الطلبة عن الوصول إلى مصادر التعلم، فلم يتمكنوا من مواكبة الدراسة واحتياجاتها (دروس خصوصية، وكتب مساندة، ووجبة صحية، ومصروف يومي)، وتتخطى الجوانب الاقتصادية من مجرد احتياجات أساسية إلى ظروف البيت المادية".
وتتابع السعايدة: "الظروف الاجتماعية تؤثر على النواحي الدراسية للطلبة مثل انفصال أحد الوالدين، أو مشاكل أسرية أو اجتماعية، أو تأثير أقران السوء على الطالب، أو إدمانه مواقع التواصل الاجتماعي، كل تلك الظروف تؤدي بالطالب إلى الفشل".
وتلفت إلى أن ضغوط العائلة "تجعل الطالب مجرد دمية في أيدي الأهل"، وإرغامه على الدراسة في أحد الفروع بمشيئة أهوائهم بعيدًا عن رغبات وإمكانات الطالب الحقيقية، من باب الوجاهة الاجتماعية، كأن تفرض إحدى العائلات على ابنها دخول التخصص العلمي، رغم رغبته في العلوم الإنسانية وضعف إمكاناته الدراسية في الجانب العلمي.
وتشير السعايدة إلى أن الأسباب الدراسية تتعلق بالنظام الدراسي، والمنهاج الدراسي، أو الأزمات التي تعصف بالنظام الدراسي مثل جائحة كورونا والتعلم عن بعد، مع الأخذ في الحسبان أن المناهج الدراسية وضعت تناسب جميع القدرات.
وتبين أنه قد يكون الخطأ المرتكب منذ البداية سوء الاختيار، كأن يختار الطالب تخصصًا لا يتناسب مع إمكاناته ومهاراته.
وتوضح السعايدة أن الرسوب يشكل صدمة وخيبة أمل كبيرة لمعظم الراسبين، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون باعثًا لأن يستجمع الطالب قواه ويتفادى الأخطاء السابقة من تقاعس، وسوء اختيار وعدم تخطيط وعشوائية في الدراسة، فليس نهاية العالم الرسوب الدراسي.
وتفيد أنه قد يكون فرصة ليكتشف الطالب ذاته بشكل أعمق، وفرصة للأهل لأن يعرفوا مستوى ابنهم الحقيقي في المدرسة.
تؤكد السعايدة أنه رغم هذه التحديات بعض الطلبة حولوا الصعوبات إلى حوافز للنجاح.
وتشدد على أهمية اختيار التخصص الدراسي بناء على رغبة الطالب وقدراته الفعلية، بعيدًا عن سقف أحلام الأهالي الذي لا يتناسب بالمطلق مع القدرات الحقيقية للطالب.
وتشير السعايدة إلى أن الطالب قد يبرع في مجالات غير أكاديمية ولا تحتاج إلى مؤهل دراسي، وجميعنا يحتاج إلى تلك الخدمات كالميكانيكي، والحداد، وهي مصدر لدخل جيد ومرتفع أحيانًا، مثل: التجارة، والنجارة، والصيانة.
وتلفت إلى أنه شاع في الآونة الأخيرة التوجه نحو التخصصات التقنية، التي قد تكون مفتاح ربح لهؤلاء الأشخاص، الذين استنفدوا خياراتهم في الدراسة.
تؤكد السعايدة ضرورة الأخذ في الحسبان الفروقات الفردية التي نراها واضحة باختلاف المهن والتخصصات والشخصيات.
تختم بالقول: "لا يخفى على أحد الألفاظ الغليظة التي ترهق مسامع الطلبة الراسبين دراسيًّا، وهذا يذكرنا بمقولة العالم المصري أحمد زويل: (الفرق بيننا وبين بلاد الغرب أنا نحارب الناجح حتى يفشل، وهم يدعمون الفاشل حتى ينجح)".