"تعلمت الصبر منك يا يُما، الهوى أنتِ الهوى ومحتاج اشمّه" بصوتِ عذبِ يملؤه الدفء أنشد الطبيبُ العراقيُّ محمد كريم الخاطر هذه الكلماتِ لإحدى المسنَّات والمريضة بفيروس كورونا بعد سماعه لاتصالٍ بينها وبين أبنائها بحديثٍ كسّرهُ الحنين والشوق.
فوّهة الخطر تقترب وتبتلع الوقت لمن يحاصرهم فيروس كورونا، ثمة إنسانية تنتشل المريض من غياهب الوجع وطعم الشوقِ في فمِّ المريض.
الخاطر (33 عاما) ، من محافظةِ البصرة- جنوب العراق، يعملُ في الصفوفِ الأولى لمواجهةِ فيروس كورونا بمستشفى البصرة، لم يكن عمله سهلًا أبدًا، بل أصابه الخطر، وأُصيب بفيروسِ كورونا مدةِ ستة أشهر من غياهب ظلمات بئر الوجع.
في حديثٍ مع صحيفة فلسطين يقول الطبيب:" كنتُ أعملُ في الصفوف الأولى لمواجهة فيروس كورونا، والجميعُ يعلمُ ضعفَ الإمكانياتِ الصحيةِ العراقية، فكانت البدلةُ الوقائيةُ غير مُحكَمةٍ وبها فراغاتٌ وخطورةٌ كبيرة، وكان الزملاء يخشونَ التعامل القريب من المريض، فكنتُ أنا المُضحّي لأجلِ سلامةِ مرضى كورونا، وشاءت الأقدار أن أُصابَ بالفيروس، لكن رحمة الله بي كانت أكبر، وبفضله تعافيتُ تمامًا وعُدتُ من جديد للعمل".
لا شيء أقدسُ من المشاعرِ النبيلةِ التي يزرعُها الطبيبُ في قلبِ المريض، فالإنسانيةُ العظيمةُ لا يتحلّى بها إلا النبلاء.
"ما كان لله ينمو" عبارةٌ رددها كثيرًا الطبيب محمد أثناء حديثه، يقول بنبرةٍ دافئة: "عندما أعامل المريض على أساس أنه واحدٌ من أهلي، شخصٌ في بيتي، حينها سيكون تعاملي عفوي، وبطاقة إيجابية كبيرة، فالمريض لا يحتاج دواء بل يحتاج إنسانية، يحتاج أن يلتمس المحبة والحنية، فأنا احتويت المريض من خلال حنّيّتي".
وبلهجةٍ عراقيةٍ حزينة يقول الخاطر: "إمي الله يرحمها كانت تعاني من تردي الوضع الصحي، ما أكو خدمات صحية في العراق، ومن بعد وفاتها قررت أن أدخلَ مجال الصحة وأكون نقلة إيجابية بين صفوف المرضى، وأن يكون عملي أساسه الصدق ولأجل الله".
ويُضيف:" في بداية العمر أكو مقولة (التشخيص نصف العلاج)، لو استطعنا أن نعلم ما يُريد المريض حتمًا سنساعده في الشفاء، فالمريض لا يأتِ مُصابًا بالفيروس، وإنما يأتِ مُصابًا بالإحباط والقلق والخوف، المريض لا يأتِ مريضًا صحيًّا، وإنما يأتِ مريضًا نفسيًّا".
وبمشاعر من الفرحِ والتفاؤل يُردد محمد كلماته البسيطة:" أحاول أزرع البسمة على شفاه المرضى، من خلال تقرّبي منهم، وغنائي لهم، فالمريض بحاجة للطاقة الإيجابية للتخفيفِ من الانهيار العصبي".
"الحياة كما تُدين تُدان" بـ ابتسامةٍ مليئة ثقةً بالله- سبحانه وتعالى-، يقولُ الخاطر: " ثمة عمل خيري فعلته مع شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني من فيروس كورونا، تعاملتُ معه بكل انسانية ومصداقية، فالموضوع أكبر من أغنية قدمتها لِمُسنّة، وإنما هذا العمل الخفي الذي لا يدري عنه أحد جازاني الله به من خلال زرعه محبتي في قلوب العالمين".
"المريض مثل الطفل" مثل عراقي يُردده الطبيب ويقول:" المرضى أصبحوا يطلبونني حتى في إجازتي، لأغني لهم، وأخفف عنهم، فأنا عندي احساس كبير بهم، أشخصهم وأعرف مزاجهم وأختار كلمات الاغنية عن طريق موقف بيني وبين المريض، أكو مرضى يُحبون القصائد الحسينية وهي من تراث عراقي، أفعل كل ما يُحبون".
"سلامات سلامات ابعث سلامات، ويه الرايح ويه الجاي ابعث سلامات" بصوتٍ ندي وبلحنٍ عراقيٍّ جميل أنشد هذه الكلمات لأحد المُتعافين من فيروس كورونا، فالمردود النفسي على الطبيب الخاطر كان إيجابيًا، فغايته أن يَبثَّ الأمل في قلوب المرضى وليست غايته الإنشاد".