تطفو فوق ثاني أكبر حوض مائي في الضفة الغربية، وتقع في شمال وادي نهر الأردن، ولا تبعد عن الحدود الأردنية سوى 2 كم، إلا أن قرية بردلة الواقعة في الأغوار الشمالية، تعاني العطش بفعل سياسيات الاحتلال، الذي يسلب مياه حوضها المائي، لمصلحة المستوطنات، ويترك لها القليل، الذي بالكاد يكفي سكانها وثرواتهم الزراعية والحيوانية.
يتمسك أهالي القرية بـ "بردلة" ويتشبثون بهويتهم، يصارعون البقاء فيها أمام مخططات التهجير وتجفيف منابع المياه، فالقرية الواقعة على ثاني أكبر حوض مائي بالضفة تعيش الجفاف، في وقت يمنع الاحتلال المياه عنها، حتى بدأت الثمار تتساقط قبل أوان قطفها، والأشجار تذبل، مزروعات كثيرة أنفق عليها المزارعون الفلسطينيون مبالغ كبيرة لم تنجح لحاجتها للمياه، في المقابل الصورة مختلفة في المستوطنات التي جعلها الاحتلال "جنة".
في مشهد يكاد يكون متكررا .. ما يسمى "قائد المنطقة الوسطى" التابع لجيش الاحتلال، بالضفة الغربية يحضر مع جنوده ويقابل أهالي قرية "بردلة" الواقعة على تخوم الأغوار الشمالية على الحدود مع الأردن .. موجها كلامه قبل شهر: "لما بمر على القرية وبشوف الخضار بطني بمغصني"..
- "سيبوا الأرض وروحوا اشتغلوا بالمستوطنات بنعطيكم تصاريح ورواتب عالية"؛ يحاول إغواءهم.
أحد كبار السن من القرية يرد عليه: "بدنا نزرع ونضل نفلح بأرضنا"، عاد قائد الاحتلال للتهديد: "بدي أمنع الهوا والمية عنكم"، المسن متجذر بأرضه: "نحن أصحاب الأرض والقرية".
يمنع الاحتلال أهالي القرية من البناء بعيدا عن المخطط الهيكلي الذي رسمه للقرية سنة 1967م، والبالغ مساحته 472 دونما رغم تضاعف عددهم، كما أن القرية التي كانت تبلغ مساحتها 10 آلاف دونم ابتلع جدار الفصل العنصري 5 آلاف منها، وبقي النصف لأهالي القرية إلا أن الاحتلال صنف بعضها مناطق عسكرية ويجري تدريبات فلا تتجاوز المساحة المتبقية ثلاثة آلاف دونم.
بالكاد وبشق الأنفس يستطيع مربي الأغنام ضرار صوافطة إخراج نحو 100 رأس من الأغنام والخراف لرعيها بين أشجار المناطق المحيطة بالقرية والمليئة بالمزروعات الحقلية.
على الخط الهاتفي تسمع صوت الخراف حوله، معلقا وهو يتحسر: "زي ما انت شايف قاعدين مش قادرين نطلعهم ياكلوا من حشائش الأرض".
"جيش الاحتلال يكاد لا يترك المنطقة، ويجري تدريبات مستمرة نحو ثلاثة أيام أسبوعيا، عدا عن إطلاق النار وإحراق الاشجار وتخريب الحقول بالدبابات (...) فقبل أسبوعين أحرقت 2500 شجرة زيتون بالقرية المجاورة لنا ".. يقول.
في القرية يوجد نحو ثمانية آلاف رأس غنم، "لدي 100 رأس، تخيل الذي يملك أيضا 300 رأس غنم كيف سيطعمها في البيت" .. يقول بنبرة صوت غاضبة: "الطعام مكلف لنا هنا، ولا نستطيع رعيها لأن الاحتلال يقوم بالتدريبات طيلة أيام الأسبوع".
السيطرة على المياه
قبيل سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية سنة 1967 حفر أهالي القرية بئر ماء بعمق 70 مترًا وكانوا يضخون منه 240 كوبًا في الساعة، بعدها أغلقت سلطات الاحتلال البئر بزعم حفرها ثلاثة آبار في المنطقة، وضخ كمية المياه التي كانوا يستخرجونها من بئرهم والمقدّرة بـ240 كوبًا لكنها لا تلتزم بها وتعطي القرية نصف الكمية، وأصبح الاحتلال يسرق قرابة ثلاثة آلاف كوب بالساعة لمصلحة المستوطنات.
بردلة الواقعة على تخوم الأغوار الشمالية ولا تبعد سوى 2 كيلو متر مربع عن الحدود مع الأردن، تواجه خطر ما يسمى "الضم" للاحتلال، يردف: "لولا وجود السكان الفلسطينيون أصحاب الأرض هنا، فإنك لن تسمع بالأغوار الشمالية، فما يقوم به الاحتلال من إجراءات بإغلاق فتحات المياه، ومنع المياه عن القرية هو بهدف التهجير".
لكن صوافطة، يقول: إن عملية "الضم" تمت منذ زمن لأن القرية تحت سيطرة الاحتلال، وأبسط الحقوق فيها مسلوبة، يبدي حسرته بلهجة عامية: "اذا بدك تطلع على المشفى فأقرب مشفى في أريحا ويبعد عنا 75 كم، حالات وفاة حدثت نتيجة بعد المستشفيات بالإضافة إلى الحواجز الاحتلالية.
تواجه المزروعات في القرية خطر الموت عطشا نتيجة الجفاف وقلة المياه، فلم يستطع المزارعون زراعة كل الأراضي لعدم توفر المياه الكافية، فاتجهوا – وفق صوافطة – للزراعة المتفاوتة والمحاصيل التي تقاوم ظروف المناخ ولا تحتاج إلى مياه كثيرة، واللجوء إلى الزراعة في بيوت بلاستيكية (حمامات زراعية)، وحفر برك لتخزين مياه الأمطار.
اقتحم جنود الاحتلال القرية أربع مرات متتاليات وأغلقوا (فتحات) تزود المواطنين بالمياه وصادروا الأنابيب الناقلة، ومنذ الأول من حزيران/ يونيو الماضي تعيش بردلة هجومًا احتلاليا على مصادر المياه.
نصف الكمية
بدوره يقول رئيس مجلس القرية زايد صوافطة: إن قدوم شرطة الاحتلال إلى القرية التي تخضع لسيطرة جيشه، تمثل "تطبيق لخطة الضم على نار هادئة".
يضيف لصحيفة "فلسطين": "تفاجأت قبل يومين أنهم يشقون طريق بعرض 20 مترا بهدف إنشاء جدار آخر وعملية فصل ممنهجة، ولكن بدون إعلان، كما أنهم أزالوا اليافطات على مداخل القرية مكتوب عليها: "هذه أرض فلسطينية" منذ ثلاثة أشهر".
ويتابع: "قبل أيام جاءت شرطة الاحتلال، وطلبت منا بيع سيارات الدفع الرباعي الخاصة بالمزارعين، وقال أحدهم لنا: "جايين نطبق عليكم (ما يسمى) القانون".
عن مشكلة المياه: "القرية تعاني الجفاف، فهناك 19 فتحة توزع المياه لبلدة بردلة لا تتجاوز المياه التي تضخ فيها120 كوب في الساعة، لنحو 3 آلاف مواطن في المقابل توزع الآبار التي حفرها الاحتلال 3000 كوب مياه في الساعة لـ 600 مستوطن يستوطنون محيط بلدة بردلة".
يبدي استغرابه قائلا: " 300 شخص كانوا يعيشون بالقرية، والآن تضاعف عددهم، لكن الاحتلال يعطيهم نصف الكمية التي زعم أنه سيوفرها، وهو يرمي لتجفيف الأرض وتهجير السكان الفلسطينيين أصحاب الأرض، كما أنه كل شهر أو شهرين يقطع خطوط المياه".
في القرية هناك مئات أشجار الزيتون المزروعة منذ عشرات السنين، قطع الاحتلال قبل شهر 84 شجرة منها؛ وفق صوافطة.
تضم القرية كما يبين صوافطة، خمسة آلاف دونم زراعي تزرع قمح وشعير، يردف: "العام الماض زرعنا البطيخ، لكننا لم نقطفه، حيث أنني زرعت 40 دونما، لأن الاحتلال أغرق الأسواق الفلسطينية".
خطط ممنهجة
"خطتهم ممنهجة بغرض فرض سياستهم علينا، وكان هناك وعود من قبل السلطة الفلسطينية بتقديم مساعدات لنا لكنها لم تتم" .
في السابق كان لدى مزارعي القرية 20 ألف رأس من الأغنام، وكانت تعد "بردلة" أكثر قرية بالأغوار الشمالية بها رأس "حلال"، اليوم لا تزيد رؤوس الأغنام عن ثلاثة آلاف بسبب سياسة جيش الاحتلال وتدريباته المتواصلة، وفي القرية نحو 600-700 رأس بقر، وتضم 10 آلاف طير حبش وما يقارب 15 ألف طير دجاج تفرخ شهريا على مدار السنة، "هذه الثروة بحاجة ماسة إلى المياه".
يصارع أهالي القرية البقاء هنا، يقول صوافطة، "إن مزارعي القرية زرعوا الجوافة منذ أربع سنوات ولكنها لم تنجح بسبب شح المياه، وحاجتها للمياه خاصة بفصل الصيف".
الخطير في الأمر كما يبين رئيس مجلس القرية أن الاحتلال حفر نفقا للمياه بعمق 40 مترا أسفل القرية، ويعتزم بدء العمل به نهاية الشهر الجاري، معتبرا ذلك بـ "الكارثة الخطيرة".
وتضم القرية 423 بيتا فلسطينيا منشأة من الباطون على عدة طوابق، معلقا على مخطط ما يسمى "الضم": "ستصبح حياتنا جحيم، لأن الاحتلال يريد جعلنا رعاة عند المستوطنين"؛ وفق وصفه.