قبل عامين، وتحديدًا في 23 يوليو/ تموز 2018، سقط حجر من الجهة الجنوبية لسور المسجد الأقصى الغربي، مُنبهًّا بسقوطه أن شيئًا مريبًا يحدث في تلك المنطقة، لكنه في الوقت ذاته أمسى ذريعة لبدء أعمال ترميم إسرائيلية أكثر ريبة، تهدد باختراق عميق للزاوية الجنوبية الغربية للأقصى.
لاحظ الباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد، أن هناك فتحات في السور تتوارى خلف سقالات الترميم الحديدية، محذرًا من أن الاحتلال قد يدخل أو أدخل عبرها أجهزة متطورة للاختراق والحفر والتصوير، مستغلاً غطاء الترميم وظروف الإغلاق والتهميش التي لا يزال يمر بها الأقصى، خلال الجائحة العالمية الحالية "كورونا".
تلتصق نحو ثماني سقالات ترميم حديدية بالجزء الجنوبي من سور الأقصى الغربي منذ عامين على علو يقارب 20 مترًا، تحت مستوى سطح أرض مسجد النساء (مكتبة الأقصى حاليًا) والمتحف الإسلامي وتحديدًا أسفل مكاتب موظفي المتحف، وتعلو السقالات أعلام سلطة الآثار الإسرائيلية.
اختراق بشري وآلي
لا يخشى الجلاد من إمكانية اختراق آلي للأقصى فقط بل بشري أيضًا، عبر هذه الفتحات التي لا بإمكان أي جهة -عدا سلطة الآثار الإسرائيلية- قياسها ومعرفة ماهيتها، كما لم تصدر الأخيرة أي قرار مفصل بخصوص عمليات الترميم في السور، مشيرًا إلى أن الفتحات تشكلت بفعل عوامل الزمن التي أتت على بعض حجارة السور، وعبث الاحتلال بها وبقياساتها.
وراء سور الزاوية الجنوبية الغربية وأسفل مسجد النساء والمتحف الإسلامي وساحة قبة يوسف آغا، تقع تسوية كبيرة مجهولة الطبيعة بالنسبة لعلماء الآثار المسلمين حاليًا، وهي المنطقة التي يستهدفها الاختراق، لكبر مساحتها وعدم إمكانية وصول الأوقاف الإسلامية إليها من داخل الأقصى، الأمر الذي يرسم علامات استفهام كبيرة.
يبيّن الجلاد أن حجارة أساسات السور في منطقة الترميمات متينة، وكلما ارتفعنا قل حجمها وزادت إمكانية التغلغل من خلالها، كما ينفي تعبئة التسوية قديمًا بالحجارة بشكل كامل لكلفة الأمر وضغط الحجارة على الأسوار، متوقعًا أن الأمويين "بناة الأقصى" صنعوا أقواسًا في تلك المنطقة لتدعيم السطح وتخفيف الحمل على الأساسات.
تسوية فارغة مجهولة
إذا، فالتسوية المقابلة للترميمات فارغة ومجهولة بالنسبة للمسلمين، وأي اختراق يحدث داخلها لن يعلموا به. وينبه الجلاد إلى أن خطر الاختراق يكمن في التسلل داخل الأقصى والتعرف إلى مخطط المنطقة الجنوبية الغربية والاستيلاء عليها لاحقًا.
لم يكن هذا الاختراق الأول، فقد حاول الاحتلال ومستوطنوه مرارًا اختراق المسجد الأقصى من الأسفل ونجحوا في ذلك، كما حدث في اختراق الجهة الجنوبية أسفل الباب المفرد والمزدوج، وحاولوا الدخول إلى الأقصى القديم عبر إحدى الآبار، وتسللوا عام 1982 نحو بئر سبيل قايتباي عن طريق باب "وارن" الروماني أسفل باب المطهرة في رواق الأقصى الغربي.
تقول مؤسسة القدس الدولية في ورقة معلومات وتقييم موقف أصدرتها حول حادثة سقوط حجر من السور الغربي للمسجد الأقصى قبل عامين، إن "الجزء الجنوبي من السور الغربي للأقصى تعرض إلى عملية تعرية تاريخية مستمرة، إذ هدمت سلطات الاحتلال عام 1969 مبنى الخانقاه الفخرية الذي كان قائمًا إلى شمال تلة المغاربة، ثم أزالت طبقات الردم المتراكم إلى الجنوب من مبنى "الخانقاه" المهدوم بعمق 6 إلى 9 أمتار، مما كشف حجارة الأساس العملاقة للسور وقلل من تدعيمها".
وتوضح المؤسسة أن هذا المقطع من السور لم يحظ بعمليات صيانة وترميم خلال العقدين الأخيرين، كما عززت الحشائش والشجيرات النامية فيه تفسخ كحلة الحجر وزادت من الفراغات فيما بين الحجارة مهددة تماسك السور، في ظل منع الاحتلال طواقم الأوقاف من إجراء الترميمات اللازمة.
حفريات وزعزعة أساسات
قبل سقوط الحجر بأيام وتحديدًا في 16 يوليو/ تموز 2018، أصدرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس بيانًا قالت فيه إن معلومات خطيرة جدًا وصلتها عن حفريات تجري أسفل القسم الشمالي من منطقة المتحف الإسلامي الواقعة في الجزء الغربي من المسجد الأقصى قرب باب الـمغاربة، مؤكدةً أنها استخدمت تسرب الماء لفحص وجود الحفريات وأن تسرب الماء بشكل سريع أكد ذلك.
واعتبرت الأوقاف أن هذه المعلومات "تدلل على نشاطات سرية وجهود لربط الأنفاق المتعددة أسفل محيط المسجد الأقصى، خاصة في منطقة القصور الأموية، وأن شرطة الاحتلال تقوم بالتصوير اليومي والمستمر لهذا المكان".
وفي معرض الرد على الترميمات الحاصلة وخطر الاختراق، قال عضو مجلس الأوقاف الإسلامية حاتم عبد القادر، إن أسوار المسجد الأقصى من جميع الاتجاهات هي جزء من المسجد، وأي محاولة الاحتلال الإسرائيلي للترميم أو فرض وقائع جديدة خارج السور أو داخله هي انتهاك لسيادة الأوقاف الإسلامية التي ينبغي أن تنفرد حصرًا في أعمال الترميم.
وينظر عبد القادر بخطورة إلى أعمال الترميم في سور الزاوية الجنوبية الغربية، مؤكدًا أن الأوقاف الإسلامية أطلعت سابقًا المملكة الأردنية الهاشمية -صاحبة الوصاية- حول مجريات العبث في السور، وجرت اتصالات مع الاحتلال من أجل وقف العبث ولكنه استمر في ذلك حتى اليوم.
ويضيف "بعد إبلاغنا منظمة اليونسكو الدولية بما يحدث، أرسلت فريقًا من الخبراء للاطلاع على مجريات الأوضاع في السور الغربي ومنطقة القصور الأموية، لكن الاحتلال منع استقبالها ووصولها، أصدرت قرار إدانة".
وينتقد عضو مجلس الأوقاف الإسلامية منظمة "اليونسكو" ويرى أن موقفها ضعيف إزاء تعديات الاحتلال ولا يكفي، مطالبًا بموقف حازم ورادع قبل فوات الأوان.