هذه المرة كانت ذكرى أسره السادسة مختلفة، لم توقد العائلة شمعة حزن جديدة رغم مرارة البعد وقسوة الغياب، فابنة الأسير حسام القواسمي من مدينة الخليل، أزهرت بمعدلها 96.6% في الفرع العلمي في ذكرى أسره نفسها.
جاهدت لتمنع دموع الحزن أن تسيل، كانت تعارك مناسبتين تزاحمتا في داخلها، تعيش عراكًا آخر بين جفنتيها، تحاول أن تصد دموعها التي كانت تهرب رغمًا عنها، إلا أنها هذه المرة كانت دموع فرح اختلطت فيها كل مشاعر الشوق لوالدها، وتركتها تجري على خدها وتسيل ترافقها أصوات الزغاريد وكأنها دموع إعلان انتصار جديد.
بين ذكرى الأسر في 11 يوليو/تموز 2014، والنجاح، أوقدت تسنيم شمعة فرح بين ثلاثة مؤبدات حكم الاحتلال بها والدها، لتمر الذكرى في نفس موعد النتائج، لكن فرحة تسنيم أزاحت ستار الحزن عن قلوب العائلة.
قبل ليلة إعلان النتائج، كانت تترقب بقلق وتفكير ما ستحصل عليه من نتيجة تزيد رهبتها كلما اقترب وقت الإعلان عنها، كانت على يقين أنها من المتفوقين، وأنها سترفع رأس والدها بها هناك بين غياهب السجن، وترسم على وجهه فرحة انتظرها الجميع.
جلست ومن حولها أفراد أسرتها، بعد أن توافد بعض الأقارب، تجمع الجميع حول الهاتف المحمول، اقتربت عقارب الساعة من الثامنة صباحًا، وصلت النتيجة كخبر ألقى الفرح بين يديها، وأطلقت الزغاريد، بالونات الزينة، أطباق الحلو، هكذا كان المشهد في ساحة استقبال الضيوف في منزلها.
"الحمد لله هاي فرحة لا توصف، ربنا أكرمنا بها، أهديها إلى والدي".. عبر خط الهاتف، تعبر تسنيم لصحيفة "فلسطين" عن فرحتها: "الجميل في الفرحة أن أهلي كانوا بجانبي، وكنت أفتقد والدي".
بالنسبة إليها فإن التوجيهي عام يمر سريعًا، وهو ما يحتاج من الطالب إلى أن يتابع مذاكرته أولًا بأول، فعلى مستوى مدرستنا كانت تؤخرنا لمدة ساعتين بعد الدوام لمراجعة ومذاكرة الدروس مما هون علينا في المراجعة من المنزل".
"كنت بدي أفرح أبي وهاي النتيجة اله وعشان مستقبلي.. وان شاء الله ربنا يلم شملنا" تقول.
من الصعاب التي واجهتها الطالبة المتفوقة، قلة النوم بسبب المذاكرة، ولكنها حصدت ما زرعت، ولم يذهب التعب سدى.
تنهدت هنا؛ وهي تستذكر والدها: "منذ ست سنوات لم أرَه إلا أربع مرات، نصبر حالنا وننتظر اليوم الذي سيخرج منه، أستذكر يوم حكمه بالمؤبد ثلاث مرات عام 2015م، صحيح أن الحكم عال لكننا نعتبره مثل العام لأن هناك صفقة تبادل قادمة"؛ معبرة بذلك عن ثقتها بأن المقاومة في قطاع غزة ستتمكن من إبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد صفقة وفاء الأحرار المبرمة في 2011.
"اختلطت علينا النتيجة بين الفرح والحزن، فرحنا لأنها حصلت على معدل مرتفع ورفعت رأس والدها، والعائلة لكن ليس مثل وجوده بجانبها".
هذه المرة تقول والدتها: "منذ طفولتها كانت تسنيم متفوقة، ودائما تحصل الأولى على مدرستها، ورغم ظروفنا الصعبة إلا أننا وفرنا لها ما تحتاج إليه للتفوق".
في الوضع الطبيعي يعرف الأب نتيجة ابنته خلال ثوانٍ معدودة، لكن الأسير القواسمي علم بنتيجة ابنته في الثانوية العامة بعد ساعة، إذ نقلتها زوجته عن طريق محامٍ إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي نقلت النتيجة إلى داخل السجن.
تقترب تسنيم بهذا المعدل من ملامسة حلم طفولتها بدراسة "الطب" تحديدًا تخصص جراحة الأعصاب، وهي ستكون من الفتيات القلة اللواتي يلجأن لهذا التخصص، تستذكر الأم ارتباط تسنيم بحلمها منذ الطفولة: "منذ طفولتها كانت تطلب شراء ألعاب الطب، وكانت تلقب نفسها بالدكتورة"، مشيرة إلى أن لديها خمس بنات وولدين، وأن لديها بنات متفوقات، لكن كانت فرحة تسنيم هذه المرة الأكبر.