أعلنت وزارة التربية والتعليم قبل أيام نتائج امتحانات الثانوية العامة بفلسطين، ونحمد الله سبحانه وتعالى أن يَسَّرَ الأمور لأبنائنا وبناتنا لتقديم الامتحانات، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في ظلِّ جائحة كورونا، فهنيئاً لشعبنا الفلسطيني المرابط هذا الإنجاز الكبير، والذي يدلّ دلالة واضحة على مدى حُبِّ شعبنا للتعليم، وحرصه على استمرار مسيرته.
وبهذه المناسبة السعيدة يَسُرُّني أن أتقدم بأصدق التهاني والتبريكات لأبنائنا الناجحين في امتحانات الثانوية العامة، وأقول لهم: أنتم الآن على أبواب مرحلة جديدة، تحتاج منكم إلى الجدّ والاجتهاد والمواظبة، حتى يرسم كلّ واحد منكم مستقبله حسب قدراته؛ ليكون له دور فاعل في بناء وطنه، وَيُسْهم في تقدّمه وازدهاره، فأنتم أيها الشباب عماد الأمة وسِرُّ نهضتها ومبعثُ عزّتها وحضارتها.
وندعوكم أيها الأبناء الكرام إلى الإقبال على مقاعد الدراسة في جامعاتنا الوطنية المنتشرة في ربوع وطننا الغالي فلسطين، فالجامعات الأجنبية ليست بأفضل من الجامعات المحلية، فالطالب المُجدّ يكون عنواناً مُشَرّفاً أينما كان.
وبهذه المناسبة فإننا نتوجه بالتحية والتقدير للأهالي الكرام الذين لم يدّخروا وُسْعاً في توفير الأجواء المناسبة لأبنائهم -رغم ظروف جائحة كورونا-؛ كي يواصلوا دراستهم ويقدّموا امتحاناتهم بنجاح.
كما نشيد بدور أسرة وزارة التربية والتعليم التي بذلت قصارى جهدها من أجل إكمال العام الدراسي في ظل انتشار وباء كورونا، وهَيَّأتْ كلّ السُّبل الصحية والوقائية أمام أبنائنا الطلاب لتقديم امتحانات الثانوية العامة إلى أن تَمَّ الإعلان عن نتائجها والحمد لله.
وأما أنتَ أيها الطالب الذي لم يُحَالفك النجاح فلا تيأس ولا تضعف، بل عليك الاستعداد لفرصة جديدة بكل حيوية ونشاط، وإيّاك واليأس، فكم من طبيب أو مهندس أو معلّم... إلخ، لم يحالفه الحظّ مرة أو أكثر، لكنه جَدَّّ واجتهد حتى كتب الله سبحانه وتعالى له النجاح والتوفيق.
فالإسلام حرّم اليأس وأوجد البديل وهو الأمل، الأمل في غدٍ مشرق عزيز بِجِدّ الشباب وعزمهم واجتهادهم، بعد توكّلهم على الله سبحانه وتعالى وأخذهم بالأسباب .
لقد حثَّ ديننا الإسلامي الحنيف على طلب العلم وتحصيله ، وقدَّر العلماء وأعلى منزلتهم ومكانتهم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وَسَمَا بالعلم إلى درجة العبادة، ونادى بتكافؤ الفرص بين الأغنياء والفقراء في التعليم ، كما أن الإسلام لم يجعل للعلم سِنًّا مُعَيَّناً فهو من المهد إلى اللَّحد، ولا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
وجعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، كما أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رِضىً بما يصنع، وهذه دعوة لأبنائنا بأن يُقْبلوا على العلم رغم فقرهم، ورغم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمرّ بها شعبنا، فيجب أَلاَّ يقف الفقر أو بعض العوائق حَائِلاً دون التعليم، فالعلم بحاجة إلى التضحية والصبر على نوائب الدهر حتى يصل الإنسان بجدّه واجتهاده إلى ما يصبو إليه.
فالقاضي أبو يوسف كان فقيراً، فأصبح قاضي القضاة في عصر هارون الرشيد، وأبو تَمَّام كان يسقي الماء في مسجد بني أمية ثم أصبح شاعراً كبيراً وأديباً، والجاحظ كان يبيع السمك ثم أصبح أديباً كبيراً، والإمام الغزالي كان يتيماً فأصبح إماماً جليلاً.
ومن هنا نرى لزاماً على الجميع كلٌّ في موقعه ضرورة التعاون من أجل مساعدة الطلاب الفقراء في كفالة تعليمهم ودفع رسومهم الجامعية، وما أجمل أن نرى التعاون والرحمة والمحبة تُخَيِّم على مجتمعنا الكريم، حتى نُيَسِّر لهؤلاء المتفوقين والمُجِدّين من الفقراء سُبُل إكمال تحصيلهم العلمي .
إن بلادنا المباركة فلسطين أرض العلماء، فَكَمْ مِنْ عالمٍ وُلِدَ على ثراها، أو ترعرع في أزقتها، أو زارها، أو دُفن فيها، ومن المعلوم أن بلادنا فلسطين من أزخر البلاد الإسلامية بالعلماء الذين ملؤوا طباق الأرض علماً، واستنار بعلمهم الكثير من أبناء الأمتين العربية والإسلامية، منهم: الإمام الشافعي صاحب المذهب المعروف، والإمام ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري أصحّ كتاب بعد كتاب الله، والإمام ابن قُدامة الحنبلي الجماعيلي صاحب كتاب المغني، والقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الذي كان مستشارًا لصلاح الدين الأيوبي، حتى قال صلاح الدين في حقّه: (لم أفتحْ ما فَتَحْتُه بقوة سيفي بل بعلم القاضي الفاضل).
كما توجد فيها اليوم والحمد لله جامعات متعددة، بالإضافة إلى كليات مختلفة، كما أنَّ العديد منها تمنح الشهادات الجامعية العالية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه) في تخصصات متعددة.
وفي هذه الأيام ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني جرَّاء وباء الكورونا ووباء الاحتلال، إلا أننا نرى والحمد لله أن الكثير من جامعاتنا وأساتذتنا وعلمائنا قد فازوا في مسابقات عديدة، ونالوا درجات عالية، وَأَلَّفُوا كُتُباً قيّمة، واخترعوا اختراعات وأدوية متعددة ، فالحمد لله رب العالمين .
ونحن في فلسطين أصحاب أعدل قضية في العالم، نحرص على التَّمَسُّك بالعلم؛ لأنه هو السبيل إلى تحرير أرضنا ومقدساتنا واستعادة كامل حقوقنا، فبالعلم ترتقي الأمم، وبالعلم يحيا الإنسان، وبالعلم تتطور الشعوب، وبالعلم ينتصر الحقّ على الباطل، وبالعلم ينتصر المظلوم على الظالم؛ لأن العلم نور، والله نور السموات والأرض.