تطرح الأسئلة نفسها عما يدور خلف تهديد رئيس السلطة محمود عباس مؤخرًا بتوجيه "ردود غير مسبوقة" تجاه قطاع غزة، والذي سبق قرار حكومة رامي الحمد الله خصم قرابة 30% من رواتب موظفيها في القطاع، وجاء تزامناً مع تحذيرات من عودة اشتداد أزمة الكهرباء في غزة.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع، أن بيان اللجنة المركزية لحركة فتح السبت الماضي، سعى إلى تحويل الأنظار عن السخط العارم في صفوف موظفي السلطة، من قرار حكومة الحمد الله، إلى غير وجهتها، دون اتخاذ قرار بوقف هذه الخصومات، التي لم تنطبق على موظفي السلطة في الضفة الغربية.
وفيما قالت "مركزية فتح" إنها شكلت لجنة" للاتصال والبحث" مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، "للتوصل إلى تصورات واضحة وحلول نهائية" للانقسام بما لا يتجاوز الـ25 من الشهر الجاري، فإن حماس استهجنت تجاهل فتح الواضح لإيجاد حلول لأزمة فرض خصومات على رواتب موظفي السلطة في القطاع، مؤكدة أن من مستلزمات الوحدة الوطنية الالتزام بالأمن الوظيفي لأبناء شعبنا بعيدا عن المناكفات.
وسألت صحيفة "فلسطين"، الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، عن نوايا عباس، فأجاب بأن الأخير يسعى إلى إيجاد المزيد من الأزمات في القطاع، لاعتقاده بأن ذلك "سيجعل غزة تأتيه جاثية على ركبتيها تطلب الصفح والعفو".
وأضاف: "ما يقوم به محمود عباس يؤكد ما خلص إليه الكثير من المراقبين، بأن جزءا كبيرا من أزمات قطاع غزة هي بسبب تصرفات عباس وقراراته الهوجاء، وأعتقد أن الأمر لن يتوقف عند خصم 30% من رواتب موظفي السلطة بل ربما يتعدى ذلك إلى التدرج في الخصم حتى يرفع يده كاملا عن الموظفين ويلقي غزة بكل ما فيها في حجر حركة حماس"، وفق تعبيره.
ورأى أن عباس يريد أن يثبت "حسن النوايا" للإدارة الأمريكية ولسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وإثبات قدرته على ما سيكلف به في المستقبل القريب من تسوية للقضية الفلسطينية.
ولا يعتقد الصواف أن عباس يريد حكومة وحدة وطنية مبنية على الشراكة، بل يريد أن يأمر وعلى الجميع أن ينفذ ما يريد، ولو كان يريد المصالحة لاستجاب ليس فقط لنداءات حماس، بل لكثير من القوى والفصائل، مرورا بالاتفاقات المختلفة، وآخرها ما تم في بيروت باجتماع اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني.
وقال: إن عباس لم يلتزم بمخرجات هذا الاجتماع والاتفاقات، "بل على العكس تحرك باتجاه مزيد من الضغط والحصار"، معتبرا أنه يريد من الجميع أن يتبنى وجهة نظره.
وأوضح أن رئيس السلطة يريد تشكيل حكومة وحدة وفق برنامج منظمة التحرير القائم على مبدأ التنازل عن الحق الفلسطيني، ويريد أيضًا من المقاومة الفلسطينية أن تسلم أسلحتها له.
ولا يريد عباس، بحسب الصواف، الاعتراف بشرعية الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية، في القطاع، مبينا أن هؤلاء الموظفين يخدمون شعبهم منذ نحو 10 أعوام، بعد أن أمر عباس موظفي حركة فتح بالاستنكاف.
وبهذا المعنى، يرغب عباس ليس فقط من غزة، بل من الكل الفلسطيني أن يأتيه مطيعا، يسمع كلامه، وينفذ أوامره، ولا يقول له: لا؛ والكلام لا يزال للصواف، الذي يعبر عن اعتقاده بأن عباس لا يريد الشراكة الوطنية.
وعن مغزى توقيت تشديد عباس إجراءاته تجاه غزة، أجاب المحلل السياسي، بأن غزة هي العصية على مشروع تصفية القضية الفلسطينية الذي يُعد في أروقة الولايات المتحدة والمنطقة الإقليمية والسلطة الفلسطينية، لذلك عباس يريد من غزة أن تنتهي.
وتابع: "إذا كان (رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق) رابين يريد للبحر أن يبتلع غزة، فإن عباس يريد أن تدمر غزة نفسها بنفسها من خلال الكثير من الأزمات".
وأمس أكدت حماس أنه لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد "بهذه المؤامرة التي تستهدف رواتب موظفي السلطة في غزة التي نفذتها وتتحمل مسؤوليتها حكومة رامي الحمد الله بأوامر مباشرة من الرئيس عباس وصمت من اللجنة المركزية لحركة فتح"، فيما حذرت من أن "ردود الفعل ستكون صعبة في حال وضعت غزة في الزاوية الحرجة".
وعن ذلك، قال الصواف: "حماس تحاول بقدر المستطاع أن تسدد وتقارب، لكن على ما يبدو أنه لا خيار أمام قطاع غزة فيما لو تم تشديد الحصار بهذه الطريقة وخلق الأزمات سوى الانفجار في وجه الاحتلال".
السيناريو القادم
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، أن "السيناريو المتوقع في الأسابيع القادمة" هو أن رئيس السلطة سيعرض "خطة خارطة طريق على حماس لقبولها وليس التفاوض عليها"؛ وفق قوله.
واعتبر سويرجو، في منشور عبر صفحته في موقع "فيسبوك"، أن اللهجة المستخدمة في اجتماع "مركزية فتح" توحي بأنه في حال تعثر خطته، فإنه سيكون هناك مسلسل من الإجراءات "تُنسي الجميع قصة الرواتب".
وعن تلك الإجراءات قال: "أزمة كهرباء حادة، وقف مستحقات التنظيمات والأسرى والشهداء، إحالة الجميع للتقاعد ضمن خطة مدروسة، إقفال المعابر، وقف تمويل الوزارات كالصحة وغيرها، موقف عربي موحد مدعوم أمريكيا وإسرائيليا للسيطرة على القطاع بالقوة".
لكنّ المحلل السياسي أحمد عوض، قال: "إن حماس أثبتت أنها تستطيع أن تمشي بين حبات المطر دون أن تبتل، أو تبتل قليلا وتحتمل ذلك، فحماس واجهت العدوان الإسرائيلي ثلاث مرات وظلت صامدة، وواجهت الحصار وظلت صامدة".
وأضاف عوض، لصحيفة "فلسطين": "الإقليم لن يتوحد على حماس إطلاقا، لأن هناك اختلافا على الرؤية أو معاملة حركة حماس"، مفسرا بأن "حماس مثل أي حركة أخرى لها مؤيدون ولها معارضون".
وتابع بشأن إجراءات السلطة الأخيرة: "إن الرواية الحكومية تقول: إن هذا نوع من التقشف وإعادة النظر في واقع الموظفين في غزة الذين يتلقون رواتب دون أن يذهبوا إلى عملهم، وهناك أيضًا من يقول إنه إذا كانت حماس هي المسيطرة على القطاع فتتحمل نتائج ذلك بما فيه الموظفون، أيضًا ربما تكون هناك رغبة لدى الحكومة أن تقدم نموذجا جديدا للإدارة أو الحكم فيما يخص قطاع غزة"؛ وفق قوله.
واعتبر عوض أن إجراءات حكومة الحمد الله "بسبب ضغوطات أو نصائح، أو بسبب الأمرين معا الضغوطات والنصائح".
وتفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا مطبقا على القطاع، لاسيما بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.
ووقعت حماس مع وفد منظمة التحرير في غزة، في 23 أبريل/نيسان 2014 إعلان الشاطئ الذي تشكلت بموجبه حكومة الحمد الله، التي تواجه اتهامات بالتخلي عن القيام بمسؤولياتها في القطاع، فيما يمتنع عباس عن دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية للانعقاد حسبما نصت عليه الاتفاقات، ويلوح بدلا من ذلك بعقد المجلس الوطني بتركيبته القديمة، وهو ما يلقى رفضا وطنيا واسعا.