يبدو أن الإدارة الأمريكية تحرص من وقتٍ لآخر على أن تذكرنا بأبطالنا ورموز مقاومتنا، وأن تعيد بقوائمها التي تسميها سوداء وتصفها بالإرهاب الألق والبريق إلى رموزنا المقاومة، وأبطالنا الشجعان، ورجالنا الأماجد الكرام، وقادة صفوفنا الأوائل، القابضين على جمر المقاومة، والثابتين على حق الوطن، والمتمسكين بثوابت شعبهم وحقوق أهلهم، والرافضين لخيارات الاستسلام وعروض التسوية والسلام، والصامدين أمام محادل التهديد وأساطين الوعيد، وكأنها بقرارها المتجدد تنفض عنهم غبار المعارك، وما علق على أجسادهم من أوضار المواجهة وآلام التحدي والصدام، وتقدمهم إلى الشعب والأمة من جديد، بثوبهم الوطني الجميل القشيب، إنهم يستحقون قيادتكم، ويستأهلون مكانتهم، ويحق لكم أن تتمسكوا بهم وأن تحرصوا عليهم، وأن تدافعوا عن قضيتهم، وألا تتأخروا عن نصرة ما يقاتلون من أجله، ويضحون في سبيله.
فهم الذين ضحوا بالكثير ليستحقوا هذه الصفة، وتخلوا عن المغريات ليندرج اسمهم ضمن هذه القوائم، وفرطوا بأنفسهم وأسرهم وعائلاتهم ومتع الدنيا وبريق السلطة اللامع، واكتفوا بالعيش في الأنفاق تحت الأرض، أو خلف الكواليس بعيدًا عن الأنظار، ليصبحوا بعد حينٍ ضمن كوكبةٍ من الرجال المطلوبين لمحاكم الظلم الدولية، والمدرجة أسماؤهم ضمن قوائم البغي الأمريكية والعدوان الغربية، لأنهم انتصروا لقضيتهم، وثاروا على ظالمهم، وأصروا على مواجهة عدوهم وتحدي صلفه وهزيمة كبريائه، وصمموا على نيل حريتهم، وتحقيق استقلال بلادهم وكرامة شعبهم، أيًّا كان ثمن الحرية وضريبة الكرامة والاستقلال.
تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية _ومعها دولٌ أوروبية تابعة وأخرى مقلدة_ أنها بهذا الإجراء إنما تفض الشعب الفلسطيني من حول من أدرجتهم ضمن قوائمها، وصنفتهم إرهابيين وفق معاييرها، وأنها تبعد الناس عن طريقهم، وتعزلهم عن محيطهم، وتجعلهم وباءً يفر شعبهم من أمامهم، ويخشى مواطنوهم الاقتراب منهم، أو الائتساء بهم والتعلم منهم، أو أنها تدفع الشعوب العربية والإسلامية إلى التخلي عنهم، والتضييق عليهم، والتعاون معها للقبض عليهم واعتقالهم، وتسليمهم لها لمعاقبتهم ومحاكمتهم، ولعلها تأمل من قراراتها المعممة وتوجيهاتها الملزمة أحيانًا الضغط على قوى المقاومة الفلسطينية عمومًا والتضييق عليهم، ومحاربتهم وتجفيف منابعهم وفرض الحصار عليهم، تمهيدًا لقبولهم ما تريد، ونزولهم عند ما ترى.
تدرك الإدارة الأمريكية وغيرها من الدول المارقة مثلها والمتعاونة معها أن هؤلاء القادة ليس عندهم ما يخافون عليه أو يخشون ضياعه، فلا حساباتٍ بنكية لهم في بنوكهم الوطنية فضلًا عن بنوك الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا ودول أوروبا الغربية، فهم يعيشون تحت الحصار في الأرض الفلسطينية المقدسة، ولا يسافرون ولا يغادرون، ولا يخرجون منها إلى غيرها ولا يتفسحون في سواها، فدول الجوار لا تستقبلهم، والعدو يتربص بهم ولا يسمح لهم بالسفر والمغادرة، فهو إما يعتقلهم أو يغتالهم، أو يبقيهم تحت الحصار وقيود الإقامة الجبرية العامة التي تكاد تشمل الشعب كله.
أولئك القادة الذين تدرج الإدارة الأمريكية أسماءهم يعرفون أن معركتهم مع العدو قائمة ومفتوحة، وهو يتابعهم ويراقبهم، ويعرف أخبارهم والكثير من أسرارهم، ولهذا هو الأكثر معرفة بأنهم لا يملكون من الأدوات التي تستغلها الولايات المتحدة الأمريكية في عقابهم أو للضغط عليهم شيئًا، فلا أموال في البنوك يدخرونها، ولا طائراتٍ يستقلونها ورحلاتٍ يسافرون فيها، فأي حساباتٍ ماليةٍ هذه التي سيجمدونها، وأي أموالٍ هذه التي سيضعون أيديهم عليها ويصادرونها، وأي رحلاتٍ تلك التي سيضعون عليها أسماء المقاومين على قوائم الترقب والمتابعة لانتظارهم واعتقالهم؟!
أم أن الولايات المتحدة الأمريكية بقوائم وزارة خارجيتها تمهد الطريق أمام العدو الإسرائيلي ليقتل ويغتال، ويشرع جرائمه ويبيح عدوانه، فهم يصدرون القوائم التي يسمونها إرهابية، ويعممونها على الدول والحكومات، وأجهزة الأمن والمخابرات، ويطلبون منها التعاون معها وتنسيق المعلومات مع مخابراتها، تحت طائلة المساءلة والعقاب، في الوقت الذي يصدر فيه الاحتلال قوائمه السوداء، ويضع فيها أسماءً وصورًا، ويعلن أنه ينوي اغتيالهم وتصفيتهم، ويضع علامة (إكس) على من يتمكن من تصفيته، وعلامة استفهامٍ على من يتوقع الوصول إليه والنيل منه، ويبدي فرحه حال نجاحه، ولا يخفي تصميمه على مواصلة مخططاته، التي يباركها كيانهم، ويصدق عليها رئيس حكومتهم، وينفذها وزير حربهم ورئيس استخباراتهم.
أصبح الفلسطينيون بسبب مقاومتهم، ونتيجةً لصمودهم، وعقابًا لهم على ثباتهم أسماءً مطلوبةً وشخصياتٍ ملاحقةً بين قائمتين سوداويين ظالمتين، تصدرهما دولتان عدوتان، معتديتان عاتيتان قاتلتان مجرمتان، ظالمتان باغيتان، أولاهما الولايات المتحدة الأمريكية، الراعية الأولى للإرهاب، والحاضنة لأكبر دوله، والداعمة لأعتى مجرميه، وهي المتغطرسة بقوتها، والعاتية بجبروتها، والمعتدية بتفوقها، فتراها تصنع المعايير التي تريد، وتضع المقاييس التي ترغب، وتصنف الأمم والشعوب وفق ما تريد وترغب، وحسب مصالحها معها ومنافعها منها، وعلى أساس ودها لدولة العدوان الأكبر الكيان العبري، وقربها منه أو بعدها عنه، ومعاداتها له أو صداقتها معه، وحربها عليه أو سكوتها عنه وسلامها معه.
تخطئ الولايات المتحدة الأمريكية إذا ظنت أن قراراتها ستخيف المقاومة الفلسطينية وستردعها، وستدفع قادتها إلى الاختباء والانزواء، والتراجع والانكفاء، والبحث عن الوسطاء والصفقات والحلول والمخارج، فهؤلاء لا يتطلعون إلى كسبٍ تعرضه أمريكا، أو يخافون تهديدًا تلوح به حكومة العدو، وهم يعرفون أن الإدارة الأمريكية لن تتوقف عن إصدار قوائمها وتجديدها، وتهديد شعوبنا والتلويح بالقوة ضد أمتنا، لكنها مقاومة لا تنكفئ ولا تنطفئ، ولا تخنع لهم ولا تخضع لإرادتهم، ولعل من الأفضل لهم أن يطووا صحيفتهم، ويتوقفوا عن نشر قوائمهم، لأنها _بكل تأكيد_ لن تحقق مرادهم، ولن تلبي أغراضهم، وسيبقى المقاومون يتوالدون تباعًا، وسيتعاور القادة المواقع والأمانات، حتى يتحقق النصر، ويبلج الفجر.
ولعلهم نسوا أن هؤلاء الأبطال إنما هم أبناء هذا الشعب، وجزءٌ كريمٌ من نبات أرضه الأصيل وغرسه المبارك ونسيجه الوطني العريق، وهم رعيلٌ من الأمة، وجيلٌ قد تسلم الراية ممن سبقهم، فلا تخيفهم التهديدات، ولا تعنيهم القوائم والتعميمات، ولا تربكهم الملاحقات والبيانات، فهم قد وطنوا أنفسهم على إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة، ومن كان قبلهم وسبقهم إلى الشهادة قد علمهم أنهم في هذه الدنيا جنودٌ مقاومون، وحراسٌ مخلصون، يدافعون عن وطنٍ، ويقاتلون عن حق، ويتطلعون إلى نصرٍ عتيدٍ أو إلى شهادةٍ كريمةٍ.