اختار سميح قعدان (77 عاما)، أن يعيش مع رزنامة تواسيه، في شقته الواقعة في بناية سكنية بحي تل السلطان في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
الرزنامة التي صنعها قعدان بنفسه، وخط أرقامها ومربعاتها بيديه على عرض قرابة متر، وطول متر ونصف، تعني له الكثير، خصوصا أنها تربطه بنجله الأسير في سجون الاحتلال عبد الرؤوف.
وتضم الرزنامة 360 يوما، هي عدد أيام السنة الاعتقالية الأخيرة من حكم نجله عبد الرؤوف البالغ 16 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذي -الحكم- خُفِّض عاما واحدا إثر تسوية عقدها محاميه، بعد أن كان 17 عاما.
واعتقلت قوات الاحتلال التي كانت متمركزة عند حاجز أبو هولي وسط القطاع، الأسير عبد الرؤوف بتاريخ 4 نوفمبر عام 2004، واتهمته بالانتماء إلى كتائب شهداء الأقصى ومقاومة الاحتلال.
قعدان الذي اقترب من الثمانين عاما، يتوجه كل يوم، بعد أدائه صلاة الفجر، إلى الرزنامة المعلقة في غرفة نومه، ليشطب باللون الأحمر رقمًا يقرب من موعد حرية نجله عبد الرؤوف.
"باقي 120 يوما على الموعد المنتظر"، والحديث هنا لقعدان وهو يقف إلى جانب رزنامة الحائط ويشير إليها بيده التي تحمل آخر صورة جمعته به أثناء زيارته في سجون الاحتلال.
وأعرب في حديثه لصحيفة "فلسطين" عن مدى شوقه لليوم الذي يخرج فيه عبد الرؤوف محررا من سجون الاحتلال؛ لكنه في الوقت ذاته، يتألم كل يوم لفقده رفيقة عمره قبل نحو سنتين، وفق تعبيره.
وقال قعدان: "كانت زوجتي ترافقني في رحلة زيارته الشاقة، وكنا نواسي بعضنا البعض، مع سمير نجل عبد الرؤوف، الذي بلغ الآن 15 عاما".
وتابع: "وفاة زوجتي أم سمير قبل قرابة عامين، دون أن ترى عبد الرؤوف حرا، كان أمرا صعبا علينا جميعا، وما زال، سيما أنها عاشت معي 54 عاما، كانت فيها الأخت والأم والحبيبة والزوجة البارة".
وأشار قعدان إلى أن فكرة صناعة الرزنامة جاءت بعد انقضاء 15 عاما من حكم عبد الرؤوف، وبقي عام واحد، قائلا: "وضعتها أمامي لأتعايش معها وأعرف من خلالها كم يوما بقي على حرية ابني".
وعَدّها -الرزنامة- المواسية له في ظل فقد الزوجة وبُعد الابن، قائلا: "أنا إنسان متشوق لابني وأحلم في اليوم الذي يتحرر فيه، وأَعُد الأيام التي يقرب انقضاؤها موعد خروجه".
وتابع: "أنا أَعُد الأيام؛ لكن ابني يَعُد الساعات والدقائق الثواني شوقًا وألمًا وحزنًا، سيما أنه آخر العنقود في أولادي وبناتي، وكان المدلل بينهم، لذلك عندما أرى الأيام تنقضي عبر الرزنامة أشعر بنوع من الراحة النفسية".
وأضاف: "سُئل أحدهم قديما، أي أولادك أحبّ إليك، فأجاب: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود"، لافتا أن عبد الرؤوف جمع اثنتين، فهو الصغير وهو الغائب.
ومضى يقول: "لا يمكن التعبير عن الأمر بالكلمات، ولكن دعنا نقربه بالتشبيه، ولك أن تتخيل بُعد ابن عن أبيه وعن أمه قسريا في عالم لا يستطيعون السيطرة عليه،.. كل أنواع التواصل ممنوعة".