قائمة الموقع

"المنقذون".. حراسُ الشاطئ

2020-07-07T12:36:00+03:00
معتز عرفات.jpg
فلسطين أون لاين

المواطن "الخضري": بكون مطمئن على الأطفال .. و"عابد": لولاهم بناخدش راحتنا

مسؤول برج إنقاذ: لو الواحد بده يكون قاعد ونايم بضيّع ناس كتير

المنقذ "مطر": نجهز مكانًا مناسبًا لسباحة الناس به ونحدد المناطق الخطرة

الكفارنة: نشرنا 600 منقذ و137 برج مراقبة

الراية الحمراء مغروسة بالرمال، أصوات الموج تندفع بقوة نحو الشاطئ؛ ثم تنسحب للخلف وتتكرر العملية بين "المد والجزر"، حركة التيارات البحرية تبدو سريعة، المياه تغطي الجزء العلوي من أجساد الشباب على بعد 30 مترًا فقط من الشاطئ، أطفال، وفتيات، وشباب وكبار سن يلهون ويسبحون داخل المياه، لكن ثمة عيون تراقبهم بحذر لا تلهو ولا تغفل عنهم ثانية واحدة.

أعلى البرج يصدر صوت التوجيه: "يا أبو القميص الأزرق، إنت قريب من التيار، روح باتجاه الراية"، يلتفت إلى منطقة أخرى: "يا أحمد (منقذ)، في جوّا البحر شاب تعب روحوا اسبحوا حواليه".

بعد دقائق أخرى، يعود النداء من البرج: "العائلات الكرام؛ عنا ولد صغير ضايع موجود على البرج"، ويذكر اسمه، على الشاطئ تراقب عينا المنقذ عبد الجواد مطر مثل تلسكوب نحو 100 فرد يسبحون أمامه، يحفظ كل واحد منهم حتى ألوان قمصانهم، في حين يستمر محمود أبو عميرة بإطلاق الصفارة تجاه أي فرد يقترب من التيار البحري.

الخمسيني أبو محمد عابد ترك أطفاله تحت أعين المنقذين وذهب لممارسة رياضة المشي، بداخل المياه انزلقت فرشة سباحة إسفنجية عن ظهر شاب كان يستلقي عليها فوق المياه قبل أن تسحبها التيارات البحرية من تحته، وتبعدها عنه، على الفور نزل منقذان وخلال ثوان معدودة وصل واحد بقربه والآخر أحضر "فرشة السباحة".

 صحيفة "فلسطين" كانت بين تلك المشاهد تعايش عمل المنقذين نحو ثلاث ساعات، يوم الجمعة الساعة الخامسة عصرًا.

"عشرة ع عشرة"

المنقذ أحمد يواصل جولة تفقدية بين برجي الإنقاذ، تحسبًا لأي طارئ بالمناطق الفارغة، بعد أن التقط أنفاسه غرس يديه بمياه البحر ورشق بها وجهه، وعاود رشقه ثانيًا محاولة إطفاء حرارة قرص الشمس المتوهج، وعرّفنا دوره ومهمته: "أقوم بدورية على الشاطئ؛ فعيناك يجب أن تكونا "عشرة على عشرة" لمراقبة الناس، وخاصة الأطفال".

"اليوم ماشي، وإحنا مسيطرين على المسبح"، ومع ذلك ثمة شيء يمثل لهم صعوبة كبيرة: "حينما تريد نقل الناس من مكان إلى مكان، بعضٌ لا ينفذ التعليمات بسرعة، لأن التيار قد يقترب منهم ويسحب عددًا لا بأس به دون أن يشعروا، وقبل الوصول إلى ذلك نبعدهم".

يمرر المنقذ عبد الجواد مطر عينيه من اليمين إلى اليسار، يتحدث بلغة الإشارة عن بعد مع الناس، لما يطلق الصفارة للتنبيه، وبينما هو على الهيئة ذاتها، قال: "دوري مراقبة حدود تغطيتنا بين برجي إنقاذ، لكن قبل ذلك نجهز مكانًا مناسبًا لسباحة الناس به، بعد ذلك نحدد المناطق الخطرة بعلامة سوداء، ثم الأقل خطورة بعلامة حمراء، ثم المناطق الآمنة بعلامة بيضاء".

مهنة الإنقاذ تمثل له -سواء أكان الراتب منخفضًا أم كان مرتفعًا- "مهنة إنسانية تتعلق بحياة الآخرين".

وهو يحدثك يحدق النظر باتجاه المصطافين داخل المياه: "أراقب الصغير والكبير، وقت العمل لا يمكن الغفلة أو الاستراحة، هناك أشخاص يجيدون السباحة يحاولون اللعب معنا وإشغالنا، متجاوزين الحدود الآمنة".

ماذا تفعلون لهم؟، يرد بعدما أخرج ضحكة عفوية: "إذا لم يستجب لنا نبقي عيوننا عليه ونراقب الآخرين، لكن إن اقترب من الخطر نخرجه".

ويخضع المنقذون -وفقًا لإفادة مطر- لاختبارات ودورات متعددة، منها سباق داخل المياه مع رفع وزن يزن 6 كغم، وتدريبهم على خطوات الإنقاذ.

اطمئنان وراحة

بالقرب منه، يجلس المواطن حمدي الخضري على حافة الشاطئ لاهيًا مع أطفاله، وهو يحفر حفرة صغيرة لملئها بمياه الشاطئ ووضع طفله.

 اقتربنا منه وسألناه عن رأيه بعمل المنقذين، فأجاب بعد أن رسم ابتسامة عريضة على وجنتيه، مجيبًا باللهجة العامية: "أنا باجي متعمد على المكان اللي فيه منقذ حتى أرتاح، وبكون مطمئن بنسبة 90% على أولادي".

إجابته لم تنته: "دور المنقذين مهم جدًّا، فضلًا عن المتابعة يعطوننا إرشادات وتعليمات، فهذه المهنة إحياء للنفس كما قال (تعالى): " وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32)، لذلك يجب أن نكون إيجابيين معهم".

يسير "عابد" على شاطئ البحر بمفرده لممارسة رياضة المشي، وبدا سعيدًا ومرتاحًا غير منشغل البال، ويعترف بعدما استقبلنا بوجه طلق وسبقت صوته ابتسامة إعجاب بعمل المنقذين وكلمات عفوية: "والله إنهم رجال ودورهم كبير".

أبطأ خطواته قليلًا، وربت على كتف أحد المنقذين، وقال بالعامية كذلك: "لولاهم بناخدش راحتنا، ولا بنأمنش على ولادنا، هيني سايب أولادي كلهم صغار على الشط وبمشي وأنا مرتاح".

وزاد في كلامه: "لو كنت موجودًا فلن أتابعهم مثل المنقذين".

إلى الأمام قليلًا، لا يزال محمود أبو عميرة يحاول إخراج ما تبقى من صوته "المبحوح"، أو الاستعانة عن ذلك بإطلاق الصفارة تجاه متجاوزي المناطق الآمنة، ويأخذنا نحو اتجاه بصره وبصعوبة استطاع إخراج صوته الخافت: "أراقب ذاك الفتى ذا القميص الأزرق، وعيني عليه لأنه صغير السن وأحاول إعادته للمنطقة الآمنة حتى لا يذهب إلى المنطقة الخطرة".

البرج الكاشف

أعلى البرج، يواصل المنقذ معتز عرفات المناداة عبر مكبرات الصوت على المنقذين أو الناس أو العائلات مطلقًا إرشادات وتعليمات مختلفة، يجلس على كرسي مرتفع يكشف من تلك الزاوية رؤية مناسبة لمتابعة المصطافين داخل البحر، أو على الشاطئ، بقربه يعلق جهاز إرسال لا سلكيًّا للتواصل مع الأبراج المجاورة أو مع قارب إنقاذ يجول داخل البحر للتعامل مع المواقف الخطرة.

يعرّفنا أكثر مهمة مسؤول برج الإنقاذ: "هو أهم شخص موجود، ينادي على العائلات إن تاه أطفالهم عنهم، يدير المنقذين، يتابع حركة من يبتعدون في السباحة وقد يحدث معهم شد عضلي في أثناء السباحة، فيستطيع كشف ذلك من الأعلى".

"من هنا نستطيع المراقبة أفضل من الأسفل، ومهمتي متابعة حدود منطقتي حتى البرجين المجاورين من اليمين واليسار" يقولها بكلمات متسارعة.

كيف تتعاملون مع الغريق؟ يرد وعيناه تجاه الشاطئ: "نحن ننشر المنقذين قرب الشاطئ لتقليل نسبة الخطورة على حياة المواطن في حالة الغرق، إذ إن المدة المتاحة لنا لإنقاذه من خمس إلى سبع دقائق، وإن زادت المدة يصبح هناك خطورة على حياته، قد يدخل في حالة غيبوبة".

"لكن قبل ما يقع بالخطر لازم نكون صاحين" تحت هذا المبدأ يعملون، وعلى قاعدة قانون "الإنقاذ البحري": "إذا الشخص تجاهلك فلا تتجاهله أنت"، يعلق قبل أن يطلق نداء للناس بعدما أمسك مكبر الصوت: "لو الواحد بده يكون قاعد ونايم بضيّع ناس كتير، خاصة الأطفال"، شارحًا أكثر: "لأن الطفل حينما يغرق لا يظهر منه سوى كف يده؛ أما الشخص الكبير فيستطيع الصراخ وضرب المياه بيديه".

بقي لحظات لغياب الشمس، لحظات ويتوارى القرص الأحمر خلف الأفق، عقارب الساعة تقترب من الثامنة مساءً، موعد مغادرة المنقذين اقترب، صوت النداء التحذيري الختامي لهذا اليوم يصدر من مكبر الصوت: "العائلات؛ الرجاء الالتزام بالتعليمات، دوام الإنقاذ انتهى، اللي صغاره بالبحر يطلعهم"، محذرًا: "البحر خطير وكله دوامات"، تكرر النداء عدة مرات، أخرج الناس أطفالهم، دقائق حتى فرغ البحر من مئات المصطافين وغادر المنقذون، دون تسجيل أي حالة غرق، كان لهم فضل في ذلك؛ فطوال وجودنا لم تغف عيونهم عن متابعة الناس.

مراقبة مكثفة

وفقًا لإفادة المدير العام لملف الإنقاذ البحري بوزارة الحكم المحلي عطاف الكفارنة، إن الوزارة نشرت خلال موسم الصيف نحو 600 منقذ، منهم 185 موظفًا رسميًّا منقذين، ونحو 415 منقذًا متطوعًا بعقد تشغيل مؤقت من طريق وزارة العمل من ثلاثة إلى خمسة أشهر.

ويقول الكفارنة لصحيفة "فلسطين": إن الوزارة تخضع المنقذين المتطوعين لاختبار تشرف عليه لجنة مكونة من 40 فردًا، منقسم إلى اختبار مائي، وجسدي، وإسعافات أولية، ويشترط في المتقدمين أن يكونوا حاصلين على شهادة معتمدة في الإنقاذ البحري من جهاز الدفاع المدني".

ويشير إلى أن هناك 10 بلديات ساحلية، لديها 100 برج إنقاذ و37 نقطة مراقبة بحرية تحتاج إلى دعم وتطوير لإنشاء أبراج، مؤكدًا أن ملف الإنقاذ يحظى برقابة مكثفة من باب الحرص على حفظ أرواح المواطنين.

تبعًا لكلام الكفارنة، إن طواقم الإنقاذ انتشلت في 26 حزيران (يونيو) 300 حالة غرق بسبب الأعداد الهائلة، يستدرك: "بفضل الله ثم المنقذين لم تحدث حالات وفاة أو نقل إلى المشفى"، لافتًا إلى أن العام الماضي شهد حالة غرق واحدة فقط في البحر بمكان يبعد عن أقرب برج إنقاذ 600 متر.

اخبار ذات صلة