بينما تعيش فلسطين في أجواء الذكرى الثانية والسبعين للنكبة وتداعياتها الإجرامية، تخيم على المشهد الفلسطيني برمته "صفقة القرن" وتداعياتها التصفوية والأبرز منها مشروع السطو على الأغوار، وفي الوقت الذي احتشدت فيه أنظار أمم وشعوب العالم نحو مزيد من التكافل والتضامن والتعاون الإنساني في مواجهة جائحة الكورونا، وبينما كنا نتابع المزيد من الهلع والرعب العالميين من فقدان السيطرة على هذا الفيروس، شذت عن هذه التوجهات العالمية/ الأممية المستعمرة الصهيونية -إسرائيل-، حيث قامت بعسكرة الكورونا واستغلالها باتخاذ قرارات وإجراءات حربية عدوانية في المنطقة، مواصلة بذلك نهج "التطهير العرقي" الذي بدأته العصابات الصهيونية منذ ما قبل النكبة.
ففي فلسطين الحالة مختلفة عن باقي دول وشعوب العالم، ففي فلسطين يعاني أهلنا بالأساس وطأة "فيروسات الاحتلال"، والعالم عمليًا يقف متفرجًا على هذه "الكورونات" المتفشية على نحو كارثي مزمن، وما سياسات التمييز العنصري الصهيونية الشاملة سوى إحدى تجلياتها، والاحتلال الإسرائيلي يضاعف الأعباء والأثقال والتداعيات على الشعب الفلسطيني، فالحكاية هناك أصبحت "كورونات" تحتاج إلى جهود وإمكانات وطاقات هائلة لتزيلها عن كاهل أهل البلاد، والاحتلال بطبيعة الحال لا يكترث أبدًا بهؤلاء البشر حتى لو تعرضوا إلى الأوبئة الفتاكة، وحتى لو تعرضوا إلى هجوم كوروني واسع النطاق ومرعب ويهدد بالإبادة الجماعية، بل يمكن القول إن الاحتلال قد يعزز ويوفر المناخات لذلك، فالهدف الكبير الأساسي على أجندته هو "الاقتلاع الشامل لأهل البلاد من جذورهم... وإنهاء حضورهم العربي في فلسطين!
فصهيونيًا لا يأبهون هناك أيضًا لكل الاعتبارات الإنسانية، فهم وإن تظاهروا بالاهتمام وبالهلع والخوف على الصهاينة من تفشي الكورونا، إلا أنهم يتخفون منذ البداية بتداعيات الكورونا على الفلسطينيين، فمع الفلسطينيين يتحولون بالإجماع إلى اليمين المتشدد والعنصرية والعسكرة المجرمة، فعلى الرغم من كل المناشدات العالمية التي طالبت الحكومة الصهيونية برفع -أو تخفيف- الحصار عن قطاع غزة وإتاحة الفرصة لإيصال العلاجات والمعدات والمواد اللازمة لمواجهة وباء الكورونا هناك، إلا أن قادة الاحتلال على العكس تمامًا شددوا الحصار على أهلنا في القطاع، بل وعسكروا المسألة تمامًا، ففي الوقت الذي "تفتح فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلية ملجأ حربيا في تلال القدس المحتلة يطلق عليه "مركز الإدارة الوطني" الذي بني منذ أكثر من عقد بسبب القلق بشأن برنامج إيران النووي وتبادل الصواريخ مع "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس- السبت 28/آذار/2020"، فإن الكيان يسعى لابتزاز حماس: "علاج كورونا مقابل الجنود الأسرى".
إلى كل ذلك فإن قضية الأسرى الفلسطينيين برزت بأهميتها في ظل كورونا، حيث رفضت وترفض حكومة الاحتلال أي تعاون ممكن لتوفير الأجهزة والأدوات اللازمة للأسرى للوقاية من احتمالية انتقال الفيروس إلى المعتقلات، رغم أن الأسرى أعربوا مرارًا عن خوفهم من تفشي هذا الوباء على نحو سريع داخل السجون والمعتقلات بسبب الازدحام الشديد وانعدام توفر أدوات الوقاية. ويزعم الجنرال ميخال ميلشتاين أيضًا في معاريف 2029-3-19 "أن أزمة الكورونا قد تشكل فرصة تاريخية لترميم العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وهذا التحدي العالمي من الوباء قد يوفر إمكانية لاستئناف الاتصالات بين الجانبين، بحيث إن إسرائيل قد تقدم على مساعدة الفلسطينيين لمواجهة أزمة انتشار كورونا في المناطق الفلسطينية، من أجل تخفيف حدة التوتر مع السلطة الفلسطينية، وتشكيل ضغط مشترك على حماس في غزة للحفاظ على الهدوء الأمني"، وفي ذلك يربط الاحتلال هذه الفرصة المزعومة بالأمن الاسرائيلي على حساب قمع الفلسطيني.
عمليًا في الميدان تختلف ممارسات الاحتلال جذريًا عن المفترض لدى الجنرال ميلشتاين، فالأمن الإسرائيلي أيضًا في ظل الكورونا هو القمع والإرهاب بكل أشكاله وهذا عليه إجماع سياسي وأمني إسرائيلي، فهناك على سبيل المثال أوبئة احتلالية مزمنة لا يتنازل عنها الاحتلال مثل: وباء الاستيطان والتهويد المتفشي والمتعمق باستمرار، وهناك وباء الاغتيالات والقتل المتحرك، وهناك وباء الاعتقالات والمحاكمات الجماعية، وهناك وباء هدم البيوت الفلسطينية، وهناك وباء الاجتياحات والاقتحامات والحواجز الثابتة والمتحركة، ولعل أهم واخطر وباء احتلالي هو ذلك المتعلق بسياسات التدمير المنهجي لمقومات الاقتصاد والصمود والبقاء... وكذلك الأقرب والأخطر مشروع السطو المسلح على منطقة الأغوار...."، وغير ذلك الكثير.
وفي نهج قمع الفلسطينيين أيضًا هناك إجماع سياسي وأمني وحزبي وأيديولوجي إسرائيلي، وهنا وثق الكاتب الإسرائيلي المناهض لسياسات الاحتلال كوبي نيف-هآرتس 2020-3-6- قائلًا: "إن المشكلة الرئيسة الحيوية والحاسمة لوجود (إسرائيل) هو استمرار قمع الشعب الفلسطيني من قبل دولة (إسرائيل)"، ويؤكد: "إن استمرار قمع الشعب الفلسطيني، بطرق أكثر وحشية أو أقل، هو في الحقيقة البرنامج الموحد لكل الأحزاب الصهيونية، وهذا تحت كل أنواع الشعارات – «فصل»، «انفصال»، «القدس الموحدة»، «دولتان»، «كتل الاستيطان»، "استمرار اللكمات"، كل هذا الهراء له معنى واحد: استمرار قمع الشعب الفلسطيني "على الأقل في المئة عام القادمة". بينما تربط الكاتبة "نوعا لنداو"-هآرتس 18/3/2020 – بين الكورونا وشعار "الهدوء في المناطق"، وتقول: "إنهم-أي الاحتلال- يطهرون... هكذا يجرب الإسرائيليون حياة الفلسطينيين… تحت رعاية-ذريعة- "الأمن"..! ويبدو أن هذه هي الخلاصة المكثفة المفيدة للمشهد الفلسطيني الراهن في ظل وباء الكورونا العالمي، فنحن أمام كورونات خاصة بنا هي الكورونات الصهيونية العنصرية الإرهابية المزمنة.
وفي هذا السياق نوثق ما يلي: في المشهد الفلسطيني الراهن: الاحتلال يبقى احتلالًا، والإرهاب الصهيوني هو هو لا يتغير، وهو متواصل منذ قرن من الزمن في فلسطين، حتى في ظل هذا الوباء العالمي -كورونا- والارتباك الدولي والتداعيات الإنسانية، يواصل الاحتلال نهجه الإرهابي ضد الشعب الفلسطيني وكأنه ليس هناك وباء الكورونا، وليس هناك عوامل وموجبات إنسانية وصحية، فهذه ليست في اعتبارات الاحتلال، ولذلك نتابع في المشهد الفلسطيني الراهن على امتداد الضفة الغربية والمدينة المقدسة: كيف تقوم عصابات المستعمرين المستوطنين الإرهابيين بموجات متلاحقة من الهجمات على القدس والحرم الشريف، بل على كل بيت من بيوت القدس، وعلى كل عائلة وعلى كل طفل من عائلات وأطفال القدس، وفي أنحاء الضفة الغربية؟ وكيف تقوم قوات الاحتلال بعملياتها العسكرية الميدانية الاقتحامية الإرهابية على مدار الساعة، فتقوم بتفجير الأبواب وإلقاء قنابل صوت داخل المنازل، وتواصل حملات الرعب والاعتقال في كل مكان؟!
ونظرا للأهمية التوثيقية القصوى هنا نستحضر تقريرًا حديثًا لمركز حقوق الإنسان "بتسيلم" الذي يؤكد: "أن جيش الاحتلال لم يقم بتعديل سياسته وروتين عمله اليومي في ظل انتشار وباء كورونا وانتهاكاته المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل واصل الروتين والنهج وسياسة الاعتقالات والانتهاكات غير الإنسانية وغير القانونية بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلة، وجاء ذلك في التقرير الشهري الذي استعرض فيه المركز روايات الضحايا لتلك الاعتقالات والاقتحامات التي تخللها تفجير أبواب المنازل، وتدمير المحتويات ومصادرة هواتف وسيارات وترويع الأطفال والنساء. وقال مركز "بتسيلم": "إنه بينما يتوقف كل شيء في العالم عن العمل وروتين الحياة، يُحافظ الجيش الإسرائيلي على روتين عُنف الاحتلال في أنحاء الضفة الغربية".
وفي ضوء هذه المعطيات وهناك غيرها الكثير الكثير مما لا تتسع له المساحة هنا، يقتضي السؤال المزمن أيضًا: إلى متى يبقى الاحتلال جاثمًا على صدر الفلسطينيين...؟! إلى متى تستمر أوبئة الاحتلال في التفشي الفتاك في الجسم الفلسطيني...؟ لماذا لا يهرع العالم معلنا حالة الاستنفار لعلاج ملف "الاحتلال الصهيوني" بكامله، كما يستنفر لمواجهة ملفات أخرى....؟! ولماذا لا تتحرك المؤسسة الأممية على نحو جاد ومسؤول في الحالة الفلسطينية...؟!
أسئلة كبيرة إنسانية وأخلاقية وضميرية وقانونية على أجندة العرب والعالم..! ثم أليس من المنطق والحكمة والعقل والعدل وفقًا للمواثيق الأممية أن يتم وضع "إسرائيل" الإرهابية الخارجة على كل القوانين والمواثيق الدولية في الحجر الصحي فورًا...؟!
وفلسطينيًا نوثق في الخاتمة: لم يبقَ أمام الفلسطينيين سوى الخيار الإستراتيجي الجذري والتمسك بالبوصلة الجذرية: إعادة الاعتبار للصراع الإستراتيجي الشامل مع الاحتلال والمشروع الصهيوني، والعمل على اقتلاع الاحتلال من جذوره.. ولعل الزمن يكون في صالح النضال والكفاح الوطني التحرري الفلسطيني.
بوابة الهدف