قائمة الموقع

"رمضان أحمد".. يغوص إلى أعماق الحضارات القديمة من متحفه الصغير

2020-07-04T12:49:00+03:00

تأخذك ممرات مخيم خانيونس غرب المحافظة، بين تفريعاتها، سائرًا بين جنباتها تتأمل في واقع اللاجئين، فكل شيء أمامك شاهد على مأساة عمرها 72 سنة، لكنّنا كنا نبحث عن شاهد آخر، حتى وصلنا بيت رمضان أحمد (60 عاما) الذي خصص جزءًا من منزله لينشئ متحفًا تراثيًا وأثريًا يجمع بين هوايته بالاقتناء وحبه للغوص في أعماق الحضارات القديمة، وجمع كل ما يحافظ على الهوية الوطنية.

بعد مدخل البيت بأمتار، يقابلك باب قديم تعتقد للوهلة الأولى أنها قبو، أو غرفة مهجورة، قبل أن يفتح لك الباب وترى أنوارًا وقطعًا أثرية وتراثية موزعة على جانبي متحف صغير انعكس جمالها على الألواح الزجاجية التي تحملها لتزداد بريقًا وتوهّجًا، كانت الفترة التي قضيناها هنا أشبه بتجديف إلى أعماق الماضي.

هواية وهدف

رمضان إسماعيل أحمد لاجئ فلسطيني من قرية "بربرة" يقطن حاليا بمحافظة خان يونس، يهوى اقتناء القطع الأثرية والتراثية لحفظ الهوية الفلسطينية منذ 15 عامًا، أنشأ متحفًا في منزله ويشارك ببعض المقتنيات بمتحف الجامعة الإسلامية، " أبحث عن أي شيء تراثي يهمنا ويثبت هوية هذا البلد " ما يقوله هنا لصحيفة "فلسطين" كان دافعًا له لإنشاء المتحف.

على الجانب الأيمن من المتحف، ترفع الألواح الزجاجية فوق هامتها مقتنيات تراثية عدة، أطباق وأوانٍ، وأباريق، يتوقف أحمد عند "الأسرجة الفخارية" شارحًا: "هذه أداة لإشعال النور كانت تستخدم قديما تشبه "مصباح علاء الدين"، الأسرجة؛ بعمر 4 آلاف عام، وهناك عدة أنواع تخض الحضارات الماضية".

أمسك بيده حجر نيزك أسود اللون والتي تُجمع من النيازك التي سقطت على الأرض، ويفصل في الشرح أكثر: "حجر النيزك ثمين، ونميزه من خلال انجذابه للمغناطيس بعكس الأحجار الأخرى، فهو يحتوي على معادن وزجاج وحديد".

بجواره حجر لا يبدو عليه أي صفة فريدة، لكن ما أن قرب إليه ضوء هاتفه المحمول حتى اخترقه النور بالكامل.

للأعلى تجذبك مطحنة "يافا".. وهي آلة صغيرة تضم مطحنة برونزية وعلى جانبيها حلقة دائرية بها قبضة يد وفي أسفلها بيت للدقيق، كان يستخدمها الفلسطينيون قديما لطحن القهوة، "ما أن تدور الحلقة الدائرية بواسطة القبضة الخشبية وتضع الحبوب من الأعلى لتخرج القهوة عبر درج صغير يتم سحبه".

توقف برهة، ليجيب عن سؤالنا حول سبب شغفه بجمع المقتنيات التراثية والأسرية، يبتسم صوته وملامح وجهه التي عكست أيضًا حبه لهذه الأشياء: "أفتخر وأعتز للعالم أن لنا حضارة عريقة، حتى يكون لنا دليل مثبت أمام رواية الاحتلال المزيفة، التي تحاول قلب الحقائق، فهذه الأرض بما فيها من صخور وحضارات قديمة هي لنا".

لكن كان لدافعه بالاقتناء سبب وقصة يعود إلى تفاصيلها: "قبل 15 عاما كنت أعمل في الأراضي المحتلة سنة 1948، وزرت متاحف ومعارض عديدة يقيمها الاحتلال هناك ، خاصة أنني كنت أعمل بمجال الترميم، وكانوا يطلبون منا ترميمها، ورأيت كثيرًا من الآثار الفلسطينية التي ينسبها الاحتلال إلى نفسه زورا".

يتابع متأثرا: "شعرت بغيرتي على بلدي ومن هنا بدأت بجمع هذه الأشياء، بدأت بالذهاب للأسواق وتحسس التراث والآثار، فهناك من يأتي ليبيعها بثمن "بخس" ولا يعرف قيمتها، أو نحصل عليها من أناس يركنونها بالمخازن".

أرض مقابل المعرض

"أتدري" .. يقول بعد أن سبقت صوته ابتسامة عريضة فردت وجنتيه: "بعت أرض لي بمحافظة رفح على مساحة 800 متر حتى أستطيع اقتناء هذه الأشياء، ففضلت المقتنيات الأثرية على الأرض، وذلك لخوفي عليها بما يثبت الهوية الفلسطينية".

وأنت تمرر نظرك بين تلك الرفوف الزجاجية، ترى مجسمات قديمة صنعت من عظام الحيوانات، ورسومات على حجارة صخرية فريدة وغريبة، فأنت بحاجة لتدقيق النظر لتظهر لك الرسومات لشكل إنسان، وطيور، وجنين، وعن ذلك اختلفت الروايات أثناء بحث أحمد عنها، قائلا: "هناك من يقول إنها من عمل الإنسان لتوثيق الحضارات القديمة، وروايات أخرى تقول إنها من عمل الجن زمن سيدنا سليمان".

إلى الأمام قليلا يقابلك مسدس خشبي عمره، وفق أحمد، نحو 250 عاما أما عن طريقة عمله فيفصل أكثر بعد أن أمسكه بين يديه مضيفا: " كان يطلق القول (كرة معدنية صغيرة) عن طريق اشعال الكحل".

بقربه توجد مقصلة إعدام يُعتقد أن الأمريكان استخدموها في إعدام الهنود الحمر، وخواتم وأختام تعود لمئات السنين، وعقد نسائي من الخرز والصدف، وحجارة "المرمر" وما يميزها شدة لمعانها واختراق الضوء لها، في الأعلى ميزان نحاسي كان يستخدم قبل 200 عام لوزن الذهب والفضة، وتلفاز ومذياع قديم"، وأدوات النجارة القديمة المصنوعة من خشب "السنديان"، ومكواة.

بواجهة الغرف، خصص أحمد قسمًا كبيرًا للصخور، يعترف بعد أن توقف بقربها وغاص في تفاصيل كل واحدة منها بذكر نوعها واسمها ومكانها وعمرها الزمني على سطح الأرض: "إني شغوف بشدة في جمع الصخور النادرة، مثل الصخور المضيفة، حجارة النيازك، والحجارة القمرية، والآثار الرومانية".

على طاولة في منتصف المتحف، تزين كرات "المرجان" الدائرية هذا المتحف، لونه المائل للرمادي وتداخلاته الهندسية عبر دوائر صغيرة بداخلها أيضا خطوط متساوية، أمسك واحدة منها وقال: "هذا المرجان من أعماق البحر، له شكل ونظام خاص هذا النوع "الأبيض" شفاف، وهناك "الأحمر" باهظ الثمن، والمرجان كائن حي عضوي في البحر، لكن عندما يخرج من البحر ويموت الكائن يتصلب ويصبح مثل الصخور".

بقربه حجر أسود صغير يزين 125 جرامًا، يقول أحمد إنه حجر سجيل أحضره من مصر، وتواصل مع مختصين في السعودية أثبتوا له ذلك، مردفا: "هذا يعد من أندر الحجارة على مستوى العالم".

تزين أثواب فلسطينية مطرزة تعود إلى ما قبل النكبة الفلسطينية، سقف المتحف وهي تتدلى على حبل من الأعلى، يشير بيده نحو أحدها ولونه أسود مطرز من الجانبين: "هذا يسمى "جنة ونار" يخص والدتي جدتي وعمره نحو 150 عاما، وهناك أثواب أخرى لا استطيع عرضها خوفا من الرطوبة".

 

 

 

 

 

اخبار ذات صلة