لم تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، عن مساعيها الرامية لفرض سيادتها الكاملة على الضفة الغربية المحتلة وتغيير واقعها الجغرافي والديموغرافي، والتي توجتها مؤخرًا بقرارها ضم أجزاء واسعة من الضفة والأغوار.
ويأتي قرار الضم وفقًا للصفقة التي أعلن عنها رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، في حين تُشير تقديرات فلسطينية إلى أن الضم يلتهم أكثر من 30% من مساحة الضفة.
ووفقًا لخرائط نشرت مؤخرًا فإن الضم الإسرائيلي سيشمل 43 قرية وتجمعًا فلسطينيًّا في الضفة، من الأغوار إلى شمال غرب القدس وغرب رام الله، ويعيش في هذه المناطق ما يزيد على 106 آلاف فلسطيني.
ويؤكد المستشار في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان محمد إلياس، أن الضم يمثل إحدى أهم محطات السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية، مبينًا أنه لم يأتِ بشيء جديد للاحتلال، لأن الأراضي التي يسيطر عليها ويمنع تنفيذ أي نشاط فيها لغير الإسرائيليين، هي التي يريد ضمها، وما يسعى إليه الاحتلال هو شرعنة وجوده في هذه المناطق المسيطر عليها؛ ضمن ما يُعرف بصفقة القرن المرفوضة فلسطينيًا ودوليًا.
وبحسب إلياس فإن مخططات التوسع الاستيطاني تعد جزءًا مهمًا في المنظومة الأمنية في (إسرائيل)، حيث مرت بمحطات رئيسة توالت حكومة الاحتلال المتعاقبة على تنفيذها.
وأوضح الياس لصحيفة "فلسطين"، أن أولى هذه المحطات تمثلت في إجراءات الاحتلال انطلاقًا من مبدأ أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء في الأراضي المحتلة باستخدام الأوامر العسكرية والقوة الجبرية.
وذكر أن أراضيَ فلسطينية صادرتها (إسرائيل) لاستخدامها تحت بند "أغراض عسكرية"، ولاحقًا أنشأت منظماتٌ يهودية مستوطناتٍ عليها، وأسكنت فيها المستوطنين، وحصل ذلك في مستوطنات أقيمت في الأغوار، وكذلك أقيمت مستوطنة "بيت إيل" قرب رام الله.
لكن في مناطق أخرى رفض المستوطنون في إحدى المستوطنات ادعاءات جيش الاحتلال بأن سيطرته على الأراضي المقامة عليها المستوطنة قرب نابلس جزء من منظومة الأمن الإسرائيلي حفاظًا على النظام والأمن، وكان رد المستوطنين: إننا نستوطن لأسباب عقائدية أيديولوجية تتوافق ومفهوم "أرض (إسرائيل) الكبرى"، كما يدعون، لكن في حقيقة الأمر فإن الأراضي المسيطر عليها والمقام عليها مستوطنات، تعود ملكيتها لمواطنين فلسطينيين.
وأكد أن الاختلاف بين المستوطنين والجيش، وضع محاكم الاحتلال في حرج كبير، ودفعها لإصدار قرار بعدم مصادرة الأراضي لإقامة المستوطنات عليها، لكن بإمكان المستوطنين البناء على الأراضي المحتلة المصنفة إسرائيليًّا "أراضي دولة" وفق قانون الاحتلال.
ولاحقًا لجأت سلطات الاحتلال إلى مصادرة مئات آلاف الدونمات في الضفة الغربية المحتلة واعتبرتها "أراضي دولة"، وأقامت عليها مستوطنات ومنحتها للمستوطنين، واستمر ذلك إلى أن أعلن عن اتفاق (أوسلو) الذي استشرى بعدها الاستيطان والتهويد في القدس والضفة المحتلتيْن.
وفيما يتعلق بجدار الفصل الذي بدأ بناؤه في 2003-2004، تسعى (إسرائيل) لاستكمال عزل مدينة القدس من جميع النواحي، إضافة إلى أحزمة متعددة من الكتل الاستيطانية، بحسب مستشار في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
وقال إلياس: ما بعد (أوسلو) اتبع الاحتلال منحى آخر في مشاريع التوسع الاستيطاني، وذهبوا باتجاه إنشاء الكتل الاستيطانية وتسمينها وربطها ببعضها بعضًا وأصبحت فيما بعد مستوطنات كبيرة، إضافة إلى عدد من المستوطنات القريبة من حدود الضفة مع الأراضي المحتلة منذ نكبة الـ48، والتي أصبحت مرتبطة بها وتشكل جزءًا منها.
وأشار إلى أن أكثر من 600 ألف إسرائيلي يستوطنون في الضفة الغربية المحتلة، منبهًا إلى استفادة الاحتلال من تسارع وتيرة الاستيطان بعد اتفاق (أوسلو).