مع دخول قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بضم الأغوار وشمال البحر الميت والمستوطنات، حيز التنفيذ اليوم؛ وسواء تم تنفيذه كليا أو جزئيا، فإننا نواجه مرحلة خطيرة، على شعبنا وقضيته الوطنية، والتي قدم شعبنا على مذبحها الكثير من التضحيات الجسام على أمل تحقيق حقوقه الوطنية الثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن كل المؤشرات سواء تلك الميدانية على الأرض أو التصريحات والمواقف الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وشريكه بني غانتس ووزراء حكومتهما اليمينية تؤكد أن دولة الاحتلال ماضية نحو الضم سواء التدريجي أو الضم مرة واحدة لمساحات واسعة من الاراضي المحتلة بما في ذلك الغور وبما يزيد عن ثلاثين بالمائة من مساحة الضفة الغربية، مدعومة بإدارة ترامب الداعمة للصهيونية والاحتلال والمناهضة لحقوق شعبنا المشروعة.
فهناك استعدادات جيش الاحتلال الإسرائيلي المعلنة بهذا الشأن وهناك التصريحات العلنية الواضحة لنتنياهو التي يؤكد فيها اعتزامه تنفيذ مخطط الضم، وكذا تهديدات غانتس وتأييده للضم وإن كان بشروط معينة، وهو ما يطرح السؤال: ماذا نحن فاعلون إضافة للموقف الرفض الواضح الذي عبر عنه الكل الفلسطيني؟
الاصطفاف الدولي الى جانبنا، لا يعني أن دولة الاحتلال ستتخلى نهائيا عن عملية الضم، فالضم والتوسع والاستيطان مكون أساسي من مكونات وأهداف الحركة الصهيونية التي تعمل على جعل كامل الارض الفلسطينية دولة لوليدتها (اسرائيل) على حساب شعبنا. والتمدد في المستقبل على الأراضي العربية، تجسيدا لمقولة "ارض اسرائيل ودولة اسرائيل من النيل الى الفرات".
وعلى الرغم من الاهمية المعنوية لكل المواقف المحلية والاقليمية والدولية الرافضة للضم إلاّ أن العامل المركزي القادر فعلا على التأثير والتصدي للضم هو الشعب الفلسطيني, فهل أعددنا العدة لذلك أم اننا لا زلنا ننتظر أن يتخذ الاحتلال رسميا قرار الضم؟ رغم كل المؤشرات المتوفرة ورغم انه بدأ عمليا بالاستعداد عسكريا وسياسيا على الارض لتنفيذ الضم. خصوصا أنه أعلن أنه جرى دراسة ضم مستعمرة «معاليه ادوميم» ومستعمرات قريبة من القدس المحتلة كخطوة أولى يبدأ تنفيذها اليوم في اطار مخطط الضم.
فالظروف والاوضاع المجانبة التي نمر بها حاليا وفي مقدمتها الانقسام وتكالب الاحتلال وداعمته الرئيسة وحليفته المعادية لنا ولقضيتنا الولايات المتحدة الاميركية، وانشغال معظم الدول العربية بأوضاعها وحروبها الداخلية، جعلت هذه المنجزات في موضع الخطر الداهم، وشمتت الأعداء بنا وجعلتهم يصعدون من مؤامراتهم التصفوية ضد قضيتنا ومنجزاتنا الوطنية على مدار عدة عقود من الزمن.
فلا يعقل أن تبقى أحوالنا على ما هي عليه من انقسام وغياب لبرنامج واضح في مواجهة الضم وكل الممارسات الاسرائيلية الاخرى بعد أن أسدلت وحليفتها ادارة ترامب الستار على أي عملية سلام جادة وبعد أن اعلنتا بوضوح رفضهما لحقوق الشعب الفلسطيني وتنكرهما للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
وبصراحة كل التصريحات التي نسمعها من هنا وهناك غير كافية لمواجهة الضم مع استمرار الانقسام الفلسطيني، واذا ما استمررنا على هذا الحال من ردود الفعل لن يوقف الضم، ان البديل لوضعنا الراهن هو المسارعة الى اعداد برنامج التصدي للضم بمشاركة كل القوى والفصائل وفي هبة شعبية متواصلة ومنظمة ومدعومة من السلطة والفصائل كافة والتوافق بين غزة والضفة على برنامج نضالي واحد لمواجهة الضم.. ومن غير المعقول أو المقبول ان تبقى ردود افعالنا تتراوح بين بيان هنا وآخر هناك.
امام هذا الواقع المرير والخطر الداهم، فلا بد من وحدة الصف من خلال انهاء هذا الانقسام البغيض، لكي نستطيع مواجهة جميع المؤامرات والتحديات وننتصر عليها، كما انتصرت العديد من شعوب العالم على مستعمريها، بما فيهم الجزائر الشقيق الذي حقق الانتصار على المستعمر الفرنسي بعد استعمار استمر ١٣٠ عاما من محاولات جعله جزءا من فرنسا وجلب مستعمرين فرنسيين للاستعمار بداخله ونجح في كنس الاحتلال وتحرير ارضه وقد دفع ثمن ذلك مليون شهيد.
فالرهان فقط على الموقف الدولي لم يعد كافيا، الأمر الذي يتطلب الرهان على شعبنا وقدراته وعطائه الذي لا ينضب فهذا الرهان هو القادر على ايجاد اصطفاف جماهير امتنا العربية والاسلامية وراء الموقف الفلسطيني الموحد, الامر الذي يحد من الهرولة من قبل بعض الدول نحو التطبيع مع دولة الاحتلال.
فوحدة الصف هي الاساس والركيزة الاساسية للانتصار والسير بالقضية نحو بر الامان. فالعالم الذي يقف معنا ويناصرنا ينتظر من جميع القوى والفصائل تحقيق هذه الوحدة، ليس فقط وحدة الميدان الموجودة في اكثر من موقع بل ايضا على صعيد سياسي.
كما أن شعبنا الذي سينطلق اليوم للتصدي لمخططات الضم وسواها اصبح تواقا اكثر من اي وقت مضى لهذه الوحدة التي تعيد له قوته وتحافظ على منجزاته الوطنية، والعمل على تحقيق المزيد من هذه المنجزات على طريق كنس الاحتلال وتحقيق كامل اهدافه الوطنية، فهل من مجيب؟ خاصة وان التاريخ لن يرحم احدا.