إن قرار رئيس السلطة محمود عباس بفرض خصومات على رواتب موظفي غزة خطير جدا. وله تداعيات كبيرة وواسعة على السياسة الفلسطينية والواقع الاجتماعي والاقتصادي والبنيوي، وهي خطوة فصل تدريجي لقطاع غزة، وتعزيزاً لدولة الضفة وتنصل وتقسيم وتجزئة للكيانية السياسية والمعنوية الفلسطينية، وبذلك تفك السلطة الارتباط بغزة وتزيد حصر مشروعها فقط في الضفة الغربية، فتداعيات هذا الأمر يمس المشروع الوطني بشكل عام، وينتج بيئة ستعزز فرض وقائع أخرى على غزة، وقد يستغله الاحتلال للمقايضة الاقتصادية والسياسية.
فالخصومات التي أقرتها السلطة على موظفيها تهدد عشرات آلاف الأسر في مصدر رزقهم، الأمر الذي سيزيد حالات الفقر والبؤس، مما يحول قطاع غزة لقنبلة موقوتة آيلة للانفجار في اتجاهات مختلفة، بما فيها في وجه الاحتلال. فالقرار سيمس الأسر المتوسطة وسيزيد الواقع صعوبة، وسيراكم السخط في قطاع غزة ويفاقم الأزمات، وقد يؤدي إلى الانفجار وبالعادة الانفجار يكون في وجه الاحتلال الاسرائيلي.
وفي حال تم تمرير مثل هذه الخطوات فسيتبعها بعد ذلك تقليصات أخرى؛ حتى يصل إلى الفصل التام لهؤلاء الموظفين والتخلي عن مسؤولياتهم، مع العلم بأن الرئيس عباس بتقليص الرواتب تدريجياً يدمر فتح ويشتتها، ويفصل غزة عن السلطة ويهيئ الظروف لأحداث مشاريع جديدة لتصفية القضية، ويساعد غريمه وخصمه محمد دحلان باحتواء الحالة الفتحاوية.
ولا شك أن هذا الإجراء سيقوي حماس وسيحول الجموع الفتحاوية لحالات غضب على السلطة وأبو مازن وسيجدون في حماس ملجأ وحماية وأملًا، فحماس لن تخذل شعبها وستفكر في التخفيف عن المتضررين، وهذا يحتاج من القوى الفلسطينية المختلفة في قطاع غزة، بما فيها حركة فتح إعلان حالة الطوارئ والتفكير جماعياً وبشكل جدي من آليات وخطوات تجاوز هذه الأزمة. فالجمهور الذي يدعم الرئيس أبو مازن سينفض عنه، وفي المقابل ستتعامل حماس بحزم مع هذا القرار وستحاول التخفيف عن هؤلاء الموظفين لإيجاد حلول لتعويضهم والتقليل من أزماتهم.
ولا أعتقد أن هذا الاجراء مؤقت كما يدعي الحمد الله، فلو كانت إجراءات مؤقتة لتم اتخاذها على جميع الموظفين سواء في الضفة أو قطاع غزة، فتقصُد فئة من هؤلاء الموظفين جغرافياً له تداعيات وممهد لفصلهم والتخلي عن أي مسؤوليات اتجاههم.
للأسف هذا القرار سيصب في المشروع الإسرائيلي بفصل الضفة عن قطاع غزة، وسيعزز مشروع دولة في الضفة الغربية بعيدة عن باقي أجزاء الوطن، فهي الآن تقوم بانتخابات محلية دون القدس وغزة، وتقوم بفصل تدريجي للموظفين وتقليص النفقات عليهم. ليبقى الحال مهيأ للأطماع الإسرائيلية.