يقضي الطفل الكثير من وقته أمام شاشات التلفاز والقنوات الفضائية التي تعرض العديد من المسلسلات والأفلام الكرتونية، حيث يظهر من أحداثها وشخصياتها الخيالية حركات وتصرفات قد يظن الطفل أنه لوهلة قادر على فعلها.
خيال الطفل الواسع خاصة في المرحلة الصغرى قبل التحاقه بالمدرسة تجعل من عقله يستوعب ما يدور ويظن أنه واقعي ويمكن حدوثه حقيقة، وهذا ما يمكن أن يلمسه الأهل من أحاديث أطفالهم وحركاتهم التي تقلد كل صغيرة وكبيرة مما يشاهدونه على التلفاز.
فيروز عائد أم لطفلين لا يتجاوز عمرهما السبعة أعوام تلاحظ دائماً أن طفليها يقلدان بعض الحركات التي يريانها على أحد مسلسلات الكرتون.
في حديث مع صحيفة "فلسطين" تبين أنه ما إن ينتهي المسلسل حتى يبدآ في توجيه الكثير من الأسئلة حول إمكانية حصول الأحداث التي شاهداها للتو في حياتهما، لافتة إلى أنها تحاول أن تؤكد أن ما يشاهدانه غير حقيقي إلا أنهما لا يصدقانها.
وتشير عائد إلى أن تأثير هذه المسلسلات ينعكس على حركتهما حيث يحاولان تقليد الأبطال في المسلسل بالحركات أو الأقوال، أو طلب بعض الألعاب المستخدمة في هذه المسلسلات ليصبحا مثل أبطالها.
وتذكر أن طفلها طلب منها في إحدى المرات ساعة مثل التي يلبسها البطل، وبعد أن اشترتها له، طلب منها أن تساعده في إخراج الوحوش منها، معبرة عن استغرابها من طلب طفلها وتصديقه لمثل هذه الأمور.
الاختصاصية النفسية والاجتماعية، ليلي أبو عيشة توضح أن المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل هي ما يحدد كمية الخيال وتصديقه لما يشاهده على شاشات التلفاز أو القنوات الموجودة على الإنترنت.
وتقول أبو عيشة لصحيفة "فلسطين": "الأطفال من سن ثلاث سنوات وحتى خمس سنوات قبل التحاقهم بالمدرسة يكون لديهم خيال واسع ويكونون على استعداد لتصديق أي شيء يشاهدونه من أفلام ومسلسلات كرتونية تعرض على التلفاز أو الإنترنت".
وتضيف أبو عيشة: "ترك الطفل تحت تأثير ما يشاهده دون توجيه من قبل الأهل له أمر غير صحيح، فمن دور الأهل وخاصة الأم أن تراقب ما يشاهده أطفالها وأن تتحدث معه حول أنه ليس كل شيء يشاهدونه يمكن أن يحصل حقيقة".
وتبين أن على الأم أن توعي أطفالها بأن الإنسان لا يمكن أن يعود طفلاً من خلال شرب حبة سحرية كمسلسل "كونان"، كما أنه لا توجد بوابة رقمية يتنقل عبرها الأطفال لعالم الديجيتال، وغيرها الكثير من المسلسلات التي لا تمت للواقع بصلة.
وتشير أبو عيشة إلى أن دور الأهل يكون بتقريب الأمور للطفل وربطها بالواقع، ناصحة الأهل بتوجيه أطفالهم لمشاهدة بعض القنوات والبرامج المبنية على العلم والتجارب الحقيقية والتي يتم بثها عبر شاشات التلفزة.
وتبين أن البرامج الحقيقية يمكن أن تشبع رغبة الطفل بالتعرف على كل ما هو جديد وغريب ومدهش في الوقت ذاته، بعيداً عن المسلسلات والأفلام ذات الأحداث غير الحقيقية والتي ليس لها علاقة بالحياة الطبيعية.
وتذكر أبو عيشة أن توجيه الأطفال للبرامج العلمية، الثقافية والوثائقية، التي تناسب أعمارهم سيكون له عائد إيجابي على المستوى العلمي والمعرفي إضافة إلى تعزيز القدرات ورفع الذكاء عند الطفل.
دراسة أمريكية أعدتها "الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال" خلصت إلى أن الطفل يقضي سنوياً 900 ساعة في المدرسة ونحو 1023 ساعة أمام التلفاز، ما يعني أن معظم الأطفال يقضون وقتاً أطول أمام التلفزيون يزيد على ما يقضونه في فصولهم الدراسية.
وتظهر الدراسة أن مشاهدة التلفاز تعد أكثر النشاطات التي تستهلك وقت الطفل ما عدا النوم، وهو ما قد يحول دون الاستكشاف والتعليم والتفاعل مع الأهل والآخرين، وهي أمور أساسية لا غنى عنها لتطوير المهارات التي يحتاج إليها الأطفال الصغار لينموا فكريًّا وجسديًّا واجتماعيًّا.
وتكشف أيضًا دراسة معمقة أجريت في مستشفى الأطفال والمركز الطبي الإقليمي في سياتل في الولايات المتحدة، أن التلفاز قد يؤثر في نمو الدماغ عبر مستويات غير طبيعية من التحفيز، ما يعرضه لاضطراب في قدرته على التركيز وهو نمط دائم من التشتت الذهني وفرط النشاط الاندفاعي أو كليهما.