تسارعت التحركات السياسية بشأن خطة الضم الإسرائيلية التي ينوي رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو إقرارها ابتداء من مطلع شهر يوليو/ تموز. وتوحي هذه التحركات بوجود الكثير من العراقيل الداخلية والخارجية التي تعوق بلورة هذه الخطة وإقرارها خصوصًا في ظل عدم وجود شريك فلسطيني.
لا تقتصر الخلافات بهذا الشأن على الجانب الإسرائيلي؛ حيث يتعمق التردد؛ من جرّاء الخشية من ردود الفعل الإقليمية والدولية، وإنما تتعدى ذلك إلى خلافات داخل الحلبة السياسية الأمريكية.
وقد التقى نتنياهو مع زعيمي حزب «أزرق أبيض»، بيني جانتس وغابي أشكنازي اللذين يقودان أيضًا وزارتي الحرب والخارجية؛ للتوصل إلى تفاهمات بشأن الضم. ولم يكن هذا اللقاء هو الأول بين هؤلاء؛ حيث سبقته لقاءات عدة جرى ترتيبها برعاية أمريكية لم تسفر حتى الآن عن أي اتفاق. وبدا أن الموقف الأمريكي نفسه مختلف على نفسه بين عمادي خطة ترامب، مستشار الرئيس جاريد كوشنر وسفيره في الكيان ديفيد فريدمان. وتزداد المعارضة للخطة ليس فقط في الحلبة الدولية وفي الحلبة الفلسطينية وإنما أيضًا داخل الكيان وفي واشنطن.
فريدمان وكوشنر
وعلى مستوى الإدارة الأمريكية، وبعد الفشل في الحصول على دعم عربي رسمي لما يُعرف ب«صفقة القرن»، تنامى الخلاف بين كوشنر وفريدمان بشأن الضوء الأخضر الذي يمكن أن يُعطى للكيان ابتداء من يوليو/تموز. وفيما يعلن فريدمان أن من حق حكومة نتنياهو اتخاذ قرار الضم بمعزل عن الشريك الفلسطيني والدعم العربي، يرى كوشنر وجوب التأني واعتبار «صفقة القرن» رزمة غير قابلة للتقسيم.
وكان من نتائج هذه الخلافات أن ما سُمي بلجنة «رسم الخرائط الأمريكية-الإسرائيلية» لم تتوصل إلى أي اتفاق بشأن حدود الضم. وهكذا مع اقتراب موعد الأول من يوليو/تموز لا يبدو أن هناك أي مخطط تم الاتفاق عليه لا داخليًّا في (إسرائيل)، ولا مع الإدارة الأمريكية، ما دفع أنصار نتنياهو للحديث عن عملية قد تطول زمانيًا. ويعود جزء من العوائق إلى حقيقة أن قسمًا لا بأس به من اليمين الصهيوني يرفض الضم إذا كان سيقود إلى أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية على أي جزء من الضفة الغربية. كما أن باقي الحلبة الصهيونية ترفض الضم؛ إما خشية من تدهور العلاقات مع الدول العربية أو بسبب أثرها في «الطابع اليهودي للدولة».
وفي النهاية تلخص الخلاف الداخلي في حكومة نتنياهو في عدة نقاط تتعلق ليس فقط بحجم ما ينبغي ضمه، وإنما أيضًا بشروط الضم. ويشدد حزب «أزرق أبيض» على ألا يتم الضم كخطوة من طرف واحد، ومن دون دعم أمريكي معلن. كما يشيرون إلى وجوب التشاور مع دول الجوار العربية، وبالأخص أخذ الموقف الأردني بالحسبان. ونظرًا لحساسية الوضع الميداني مع الفلسطينيين والموقف الإقليمي مع العرب؛ فإن أقصى ما يمكن أن يذهب إليه حزب «أزرق أبيض» هو قرار رمزي محدود. ونقلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حزب «أزرق أبيض» يقبل مثلًا بفرض السيادة الصهيونية على غوش عتسيون أو معاليه أدوميم.
سيناريوهات
وكما سلف، تزايدت الخلافات داخل الإدارة الأمريكية، ووصلت إلى حد الإعلان عن أن الضوء الأخضر لن يعطى من دون توصل الليكود وأزرق أبيض لاتفاق فيما بينهما. وقد عرض نتنياهو على «أزرق أبيض» عدة سيناريوهات لقرار الضم، تراوحت بين ضم 30 في المئة من الضفة الغربية إلى القبول بخطوة رمزية فقط.
وكان مدير مشروع عملية السلام في معهد واشنطن، ديفيد ماكوفسكي قد أثار الشكوك بشأن نجاح خطة نتنياهو الأصلية لضم الأغوار والكتل الاستيطانية. وعرض ثلاثة سيناريوهات؛ أولها ضم كل المستوطنات البالغ عددها 130 بما فيها تلك التي تشكل جيوبًا داخل مناطق فلسطينية مكتظة. والخيار الثاني ضم جميع الكتل الاستيطانية ما يبقي خارجها نحو ثلث المستوطنين، أما الخيار الثالث فهو الخيار الضيق وهو المتصل بضم غوش عتسيون أو معاليه أدوميم ومستوطنات محاذية لحدود 1967.
ولا ريب أن الكثير مما تحمله الأيام سيعتمد على الموقف الأمريكي الذي سيكون بالغ التأثير على موقف «أزرق أبيض». وبدهي أن يتأثر الموقف الرسمي الأمريكي بالمواقف الدولية خصوصًا موقف الاتحاد الأوروبي والدول العظمى وأيضًا بموقف الدول العربية. وتزايد الاعتراض على خطة الضم في الكونجرس الأمريكي؛ حيث أعلن حتى الأعضاء الذين يناصرون نتنياهو اعتراضهم على هذه الخطة.
وليس صدفة والحال هذه، أن الأردن كان على رأس الدول العربية التي حذرت من مخاطر خطة الضم. وأعلن الملك الأردني أنه ستكون لأي قرار بشأن الضم عواقب على معاهدة السلام المبرمة بين الدولتين. كما أن الأردن ينسق موقفه على أعلى مستوى مع السلطة الفلسطينية التي تطلق التهديدات بانفجار الوضع الأمني، إذا ما اتخذ قرار الضم. وتحاول جهات دولية تشجيع السلطة الفلسطينية بالرد على قرار الضم بشكل يبعد العنف من خلال الحديث عن إعلان الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وطلب الاعتراف الدولي بها. ويقف الاتحاد الأوروبي على رأس الدول الداعية لمنع انهيار السلطة الفلسطينية والمهددة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
في كل حال فإن السؤال الأشد إلحاحًا الآن هو هل ستقر حكومة الكيان ضم أجزاء من الضفة الغربية؟ وهل ستعطي إدارة ترامب الضوء الأخضر لذلك وما هو رد الفعل الفلسطيني والعربي؟ واضح حتى الآن أن الإدارة الأمريكية صارت أكثر ترددًا من أي وقت مضى بشأن منح الضوء الأخضر خصوصًا بعد الفشل في تجنيد الدعم لـ«صفقة القرن».
وواضح أيضًا أن الخلاف داخل اليمين الصهيوني وفي المؤسستين العسكرية والدبلوماسية يعوق إقرار الضم الواسع على الأقل قريبًا. ولذلك ليس مستبعدًا أن يشكل الخلاف على الضم أرضية لخلاف سياسي يسقط الحكومة «الإسرائيلية» الحالية ويقود إلى انتخابات جديدة.
وحتى ذلك الحين ستتواصل، حتى في ظل الخلاف، عملية قضم أراضي الضفة الغربية، وتوسيع الاستيطان عليها، وفرض وقائع جديدة على الأرض بانتظار ظروف أخرى.