لم يمضِ شهران على تشييد عائلة الرجبي منزلها في حي البستان ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، حتى تفاجأ سكانه، أمس، بطواقم بلدية الاحتلال الإسرائيلي ترافقها قوات كبيرة من الوحدات الخاصة وشرطة الاحتلال، لتحاصر المنزل وتغلق مداخل مؤدية إليه، ثم تهدمه.
بالقرب من منزلها وقفت أم يوسف الرجبي، برفقة أطفالها الخمسة، وهي تراقب عملية الهدم التي حولت منزلها الذي استغرق بناؤه خمسة أشهر إلى كومة من الحجارة.
وقالت أم يوسف لصحيفة "فلسطين": لم تكتمل فرحتنا بالمنزل الجديد الذي انتقلنا للعيش فيه قبل شهرين، بعد أن كنا نقيم في غرفة واحدة في منزل عمي -والد زوجي- لكن قوات الاحتلال كعادتها نغصت فرحتنا.
عنصرية الاحتلال
وأما صاحب المنزل محمد الرجبي، فذكر أن بلدية الاحتلال استحدثت وسيلة جديدة لهدم منزله؛ بزعم البناء غير المرخص، مستخدمة معدات خاصة "قصت من خلالها سقف المنزل ليهبط أرضًا بعد قصه".
وأوضح الرجبي لصحيفة "فلسطين": أنه منذ بدء عملية البناء كانت طواقم البلدية تلاحقني بأوامر الهدم ووقف البناء وكانت المحكمة الأخيرة في 11 يونيو/حزيران، حيث قررت هدم المنزل وأمهلتني 4 أيام لإخلائه وعلى إثر ذلك أخليت المنزل.
ويتنقل الرجبي منذ خمس أشهر، بين بلدية الاحتلال والمحاكم من أجل الحصول على ترخيص لمنزله، وتجنب هدمه، لكن دون جدوى بحجة أن البناء يخالف المخطط التطويري للحي.
ولفت إلى أن بلدية الاحتلال لاحقته منذ بناء المنزل من خلال اقتحامه أكثر من مرة، وإصدار قرار الهدم الإداري دون إمكانية لتجميده، ومن ثم تقديم مهلة للهدم انتهت الأسبوع الماضي.
وأوضح أن الاحتلال هدم منزله من أجل بناء "حديقة توراتية في المنطقة"، مؤكدًا أن الاحتلال سلم مؤخرًا بلاغات بنية الهدم لـ90 منزلًا في حي البستان.
ودعا الرجبي جميع أطياف شعبنا إلى الوقوف بجانب أصحاب المنازل المهدمة، والعمل على وقف تلك السياسات العنصرية بحق المقدسيين والهادفة لتغيير معالم المنطقة.
وطالب السلطة والمجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عملية وجدية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني خاصة في مدينة القدس المحتلة.
لكن هدم المنزل، لم يزد الرجبي إلا صمودًا وإصرارًا في وجه الاحتلال الذي يحاول تضييق الخناق على الفلسطينيين لدفعهم للاستسلام للأمر الواقع، قائلًا: "سأعيد بناء المنزل، وسأبقى بالمدينة القدس ولن أغادرها".
وشرعت بلدية الاحتلال في عملية الهدم باستحداث وسيلة جديدة كقص سقف المنزل، وانهياره على الأثاث؛ لعدم قدرة الآليات الوصول للمنزل في داخل الأحياء.
مسوغ قانوني
وأكد مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري، أن سلطات الاحتلال زادت وتيرة هدم البيوت والمنشآت منذ بداية العام.
وأوضح الحموري لصحيفة "فلسطين" أن هدم منازل المقدسيين محاولة لتغيير الطابع والتركيبة السكانية للقدس، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية والإنسانية والاتفاقات ذات الصلة.
وقال: إن هدم منازل المقدسيين مسلسل قديم لكنه يشهد ارتفاعًا في وتيرة الهدم حديثًا لأغراض التوسع الاستيطاني وتهجير المقدسيين إلى خارج المدينة وتغيير هويتها الديموغرافية، في مخالفة واضحة وصريحة لكل القوانين والأعراف الدولية.
وأشار إلى أن عدم تنفيذ القرارات الدولية لوقف وردع الاحتلال عن جرائمه الممارسة بحق أبناء شعبنا وخاصة عمليات الهدم ستزيد من تغول الاحتلال على المقدسيين والتي زادت بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية إليها.
وبين أن سلطات الاحتلال لا تمنح المقدسيين تراخيصَ لبناء أو توسيع منازلهم، بل تعمل على هدمها بحجة عدم وجود الترخيص، كما وتجبر أصحابها على هدم منازلهم بأنفسهم أو تتولى سلطات الاحتلال عملية الهدم، وعلى صاحب المنزل دفع تكاليف الهدم الباهظة.
مجازر هدم
و أكد الحموري أن نحو 90 منزلًا في حي البستان ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، مهددة بالهدم في أي لحظة بحجة البناء دون ترخيص، داعيًا المجتمع الدولي توفير الحماية الدولية للسكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وحذر من إقدام الاحتلال على ارتكاب مجازر هدم منازل المقدسيين خلال الفترات القادمة أسوة بجريمة لهدم التي نفذها العام الماضي بحق أهالي حي "واد الحمص" في بلدة صور باهر بمدينة القدس المحتلة.
ويضطر بعض الفلسطينيين في مدينة القدس إلى هدم منازلهم بأنفسهم، في حال صدور قرارات هدم إسرائيلية بحقها، حتى لا تحملهم سلطات الاحتلال تكاليف الهدم الباهظة، في حال أقدمت على هدمها.
ويواجه الفلسطينيون في مدينة القدس، بحسب مراكز حقوقية، صعوبات جمّة لاستخراج تراخيص بناء، كما أنها تكلف عشرات الآلاف من الدولارات لكل شقة سكنية.
وتقول منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية: إن بلدية الاحتلال تحاول الحدَّ من أعداد الفلسطينيين شرقي القدس من خلال تقليل عدد رخص البناء الممنوحة لهم، وبالمقابل تصدر الكثير من رخص البناء للمستوطنين الإسرائيليين بالمدينة المحتلة.
ويقول مركز المعلومات الوطني الفلسطيني: إن عدد المنازل المهدومة منذ احتلال (إسرائيل) للقدس عام 1967 بلغ أكثر من 1900 منزل.