فلسطين أون لاين

رمضان بشير يُشبِع شغفه الفني بـ"الخردة"

...
غزة/ هدى الدلو:

رغم حالة الإعياء والمرض الذي ألم بصحته ونشاطه، بالإضافة إلى ضيق الحال فإنه لا يزال يحافظ على مكانة الفن في قلبه، مستثمرًا بقايا القطع الحديدية والخشبية والكرتونية والتي مكانها حاويات القمامة في صناعة المجسمات والتحف الفنية.

رمضان بشير (40 عامًا)، الذي يقطن في خان يونس جنوب قطاع غزة، يعيد تدوير المواد المستخدمة "الخردة" ليصنع منها فنًا يشبع شغفه.

لم يكن الفن وليدًا جديدًا، بل موهبة طفولية، اكتشف بذرتها في الصف الثالث الابتدائي، حينما سرحت مخيلته في رسمة خطها معلمه للتربية الفنية على السبورة لمسنة بثوب فلسطيني تحمل الزير على كتفها، فعاد إلى بيته ليرافق القلم ودفتر الرسم أغلب الوقت.

يقول لصحيفة "فلسطين": "كانا رفيقي على أسرة المستشفى التي اقضى فيها أغلب أيام الأسبوع كوني مريض السكر البولي أو السكر الكاذب"، وبات يرسم أي صورة يراها أمامه على الوسائد والفراش.

لم يألُ جهدًا في تقديم الاهتمام بالبذرة، لتنمو معه في مرحلة الإعدادية، وبدأ يتعلم صناعة المجسمات في تلك الفترة، حيث وضعت مع رسوماته في المعرض الخاص بالمدرسة فكان ذلك تشجيعًا له.

وما ساعد بشير في الحفاظ على ملكته الفنية مرافقته لوالده في ورشة الحدادة، مضيفًا: "رغم أنه كان يثنيني عن المغامرة في معدات الورشة خوفًا على صحتي، ولكن بعد اتمامي الثانوية العامة لم اكمل تعليمي بسبب وضعي الصحي والمادي، وتفرغت للعمل في الحدادة".

ورغم جسده المتعب لإصابته بالعديد من الأمراض المزمنة كالسكري منذ الولادة، وفيما بعد ضغط الدم والغضروف، وجلطة قلبية فإنه لا يترك قطعة حديدية أو خشبية دون استثمارها بمجسم فني وتحف جمالية كسيارات وألعاب وسفن وغيرها، أو بعمل يستفاد منه كسلّات المهملات أو علبة للمناديل الورقية، إلى جانب إبداعه في مجال التطريز بورق النخيل وبالحرير أيضًا.

وعلى باب ثلاجة مهترئ نحت بشير على الفلين والكلكل الموجود بداخله والمختلط مع رمل البحر شخصية حنظلة مع الألوان المائية، وأخرى لقبة الصخرة ومشاهد طبيعية، ولوحات وطنية تؤكد تمسك الفلسطينيين بمبادئهم وثوابتهم.

وما يشد الانتباه إبداعه في عمل مجسمات في أبسط المقتنيات، كالمصنوع من الملعقة والشوكة، ودراجة هوائية، والعقرب وطائر اللقلق، والكمنجا، وصنع مجسمًا خشبيًا لسفينة بحرية لعل الظروف ترسو معه إلى بر الأمان.

وبشير يعيل ثمانية أفراد في ظروف مادية صعبة، خاصة أن عمله في ورشة الحدادة غير دائم.

والمؤلم بالنسبة له، أن هذا الإبداع لا مكان له في بيته سوى فوق أسطح الخزانات، وتحت الأسرة، خاصة أن منزله لا تزيد مساحته عن 50 مترًا، لتكون هذه المجسمات مصدر إزعاج للأسرة، لكنه يتابع: "الفن في دمي ومغروس في قلبي".

وفي وقت "فراغه ووجعه" –كما يصفه- يهرب بشير إلى رسم ما يجول في خاطره، فالقلم لا يفارق أعلى أذنه ليدون أي فكره قبل أن تشرد منه، ولقلة العمل بسبب صعوبة الوضع المادي يذهب أحيانًا إلى الورشة لصناعة الإبداع.

وعلى أقل تقدير تستغرق التحفة الواحد منه لتصميمها وصناعتها من يومين حتى أسبوع، ليواجه مشكلة عدم تقدير البعض لجهده وتعبه وتكلفتها أيضًا، مما يضطره إلى الاكتفاء أحيانًا بإهدائها، حالمًا بأن يكون له معرض خاص ليستعرض بها إبداعه.