لم تتوقف مطامع سلطات الاحتلال في منطقة حي وادي الجوز في مدينة القدس المحتلة، التي تُعد شريان الحياة للمقدسيين، كونها تنشط في المجال الاقتصادي، إذ تنتهج سياسة هدم المنشآت الصناعية والحيوية، بهدف توسيع الاستيطان وتغيير واقعها الديمغرافي ككل.
ومؤخراً أصدرت بلدية الاحتلال وبموافقة ما تُسمى "لجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية"، قراراً نهائياً بهدم وإخلاء نحو 200 منشأة في حي وادي الجوز، المنطقة الأكثر حيوية في القدس.
خلفية تاريخية
تاريخ حي "وادي الجوز" عاصر أزمنة عدّة، حيث يعاني كسائر الأحياء الفلسطينية المجاورة للبلدة القديمة من عدة صعوبات خاصة بعد إقرار الخطة الهيكلية للقدس عام 2009، وفي ظل التوسع الاستيطاني الواضح في المنطقة.
يقع الحيّ إلى الشمال الشرقي من البلدة القديمة لمدينة القدس على مقربة من جبل الزيتون ووادي قدرون ويسكنه 13000 نسمة، على مساحة 1149 دونم، وقد وقع تحت نفوذ بلدية الاحتلال في القدس بعد احتلال وضم الجزء الشرقي من المدينة عام 1967، ويحتوي على منطقة صناعية تضم بشكل أساسي محلات تصليح السيارات.
سمي "وادي الجوز" بهذا الاسم نسبة لشجر الجوز الذي فيها والتي تشتهر به حتى الزمن الحالي، وكان الحي حتى نهاية القرن التاسع عشر أراضٍ أميرية تابعة للحكومة العثمانية يقوم أفراد بزراعتها.
وكان الحقّ في الزراعة في تلك الأراضي يتوارث من جيل لآخر داخل العائلات. وقد كانت بعض العائلات الفلسطينية الغنيّة تقضي فصل الصيف في رعاية أراضيها في تلك المنطقة ومن ثم لاحقًا في بدايات القرن العشرين بدأت بعض العائلات بالانتقال للعيش في وادي الجوز بشكل دائم.
واحتُل وادي الجوز مع الجزء الشرقي لمدينة القدس عام 1967 ومن ثم ضُمّ لاحقاً لنفوذ بلدية الاحتلال التي قامت بتصنيف المنطقة على أنها "مناطق خضراء". وقد أعاق هذا التصنيف إلى درجة كبيرة إمكانية التطوير العمراني والتجاري في المنطقة وساهم في انخفاض قيمة العقارات فيها.
ومن أبرز التحديات التي يواجهها الحي هي الخطة الهيكلية للقدس التي تهدف إلى توسيع الحضور الاستيطاني في المدينة والتضييق على الوجود الفلسطيني فيها. ومن ضمن بنودها القضاء على سوق الخضار الموجود في وادي الجوز ومصادرة بعض الأراضي وبناء فندق على أنقاض الممتلكات الفلسطينية.
ورغم أن الحي لا يقع مباشرة بالقرب من جدار الضم والتوسع، إلا أنه تأثر به، حيث أدى بناءه إلى حرمان الأسواق في القدس من زبائنها من أهالي الضفة، مما قلل نسبة الأرباح وساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية لها، ما دفع بعض التجار المقدسيين للانتقال داخل الضفة.
تهويد المنطقة
ويؤكد مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد حموري، أن الاحتلال يواصل سياسة الهدم في "وادي الجوز" ضمن مساعيه لتهويدها، وتغيير وجه المنطقة ككل، وتشويه تاريخها.
وأوضح حموري خلال حديثه مع "فلسطين"، أن الاحتلال يغيّر في معالم المنطقة، حيث جعل غالبيتها "يهودية"، من خلال بناء بعض المؤسسات ومركز للشرطة قربها، مشدداً على أن سياستها "لخدمة الإسرائيليين تحت ذريعة تنشيط الحياة في القدس".
وبيّن أن مدينة القدس تشهد حرباً حقيقية من محاولات تغيير المعالم وإعطائها الطابع اليهودي ضمن الحرب الديمغرافية، مشيراً إلى أن أكثر من 95% من مساحتها تعرضت للتهويد، عدا عن إبعاد المقدسيين وإحلال المستوطنين بدلاً منهم.
وحذر من أن سياسة الاحتلال تنعكس سلباً على حياة المقدسيين والمنطقة بشكل خاص، من حيث زيادة نسبة الفقر والفقراء التي تجاوزت الـ 80% أصلاً، إضافة إلى زيادة المشكلات والأعباء الاقتصادية على السكان، ما قد يضّطر بعضهم للهروب من سوء الأوضاع.
شدد حموري على ضرورة "دعم بقاء المقدسيين في أرضهم، من أجل إفشال مخططات الاحتلال، في ظل تردي المواقف العربية والدولية والفلسطينية، كي يبقوا شوكة في حلق الاسرائيليين"، منبّهاً إلى أن الفترة القادمة ستكون خطيرة، في ظل إصدار 22 ألف أمر هدم لبيوت المقدسيين.