فلسطين أون لاين

أهم الإشكالات الفكرية لتيار التطرف والغلو

...
د. رفيق أسعد رضوان

ظهرت تيارات التطرف والغلو، وانتشرت بين أوساط الشباب المتحمسين لنصرة دينهم، ولا شك أن لهذه التيارات مرتكزات تستند إليها في استباحتها للدماء وتكفيرها للمجتمع، وسعيها لحمل الأمة على فهمها ونظرتها ورؤيتها، وأهم هذه الإشكالات في الفهم ما يلي:

1- عدم الربط بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية:

هناك ظهرت مدارس، مدرسة تُعنى بالنصوص الجزئية بمعزل عن المقاصد الكلية، وفي المقابل مدرسة تزعم أنها تقف عند المقاصد مع الإهمال الكامل للنصوص الجزئية، والمنهج الصحيح الربط بين النص الجزئي والمقصد الكلي، ورد الفروع إلى الأصول، والجزئيات إلى الكليات، والمتغيرات إلى الثوابت.

2- الأخذ بنصوص دون النظر إلى النصوص الأخرى:

ومن الإشكالات كذلك الوقوف عند بعض الجزئيات دون الاعتبار للسياق التاريخي أو الظرفي أو النصوص الأخرى التي تتكامل مع بعضها، فبعض النصوص عام، وبعضها خاص، ومنها المطلق، ومنها المقيد، والناسخ والمنسوخ، ومنها خصوصيات للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو الرسول المبلغ، وهو إمام المسلمين، وهو قاضي القضاة، وقد يرد الحكم بمقتضى إحدى هذه الصفات، وهنا وقع اختلاف العلماء.

3- الإهمال لفقه الأولويات:

من إشكالات تلك الفئة زعمها بأن الشريعة أحكامها واحدة، وإغفالها أن الأحكام متفاوتة في ترتيبها، فهناك الفرض، وهناك النفل، والكبائر والصغائر، والأعلى والأدنى، والمحرم لذاته والمحرم لغيره، فلذلك يجب أن نعطي كل عمل قيمته، ونقدم ما حقه التقديم، ونؤخر ما حقه التأخير، ولا نعظم الهين، ولا نهون العظيم.

4- إغفال سنة التدرج:

ومن الإشكالات كذلك التي وقع بها أصحاب الغلو هي إهمال سنة التدرج التي هي سنة إلهية في الخلق والتشريع، وهنا نقصد التدرج بالتنفيذ، وليس تدرجًا في التشريع، ولذلك يجب تحديد الأهداف، وتحديد الوسائل، وتحديد المراحل للوصول إلى الأهداف الكبيرة.

5- إهمال الشروط المتعلقة بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

يجب علينا عند تطبيقنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن نستحضر فقه الموازنات، والمقاصد، وفقه الواقع، وعلم المآلات التي يؤول إليه تغيير المنكر ويستدل لذلك عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ (متفق عليه).

6- أخذ العلم الشرعي من الكتب دون التلقي من العلماء:

هذه إشكالية كبيرة بأخذ العلم من الكتب، والمواقع الإلكترونية دون التلقي عن أهل العلم، والتصدر للفتوى وإصدار الأحكام دون استكمال المؤهلات المطلوبة، والنظر إلى الأئمة السابقين بالندية والمساواة، والقول إنهم رجال، ونحن رجال، وإن الأخذ من العلماء أو عن طريق التلقي يعطي الإنسان البوصلة الصحيحة في التعامل مع النصوص الشرعية والحصانة من الانزلاق والشذوذ وخرق الإجماع.

7- عدم الفهم المستبصر للواقع:

إن دراسة الواقع واجب لابد منه لكل فقيه، والفتوى تقوم على ثلاثة عناصر:

الأول: النص الشرعي والثاني: الواقع ومآلاته والثالث: الربط بين النص الشرعي والواقع، وهذا ما جعل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور".