تتحرك من جديد مجموعات الشباب الثائر بالقطاع وتطلق البالونات باتجاه مستوطنات الاحتلال، في خطوة تعبر عن حالة الغضب التي يعيشها سكان غزة، وتأتي كطريقة عملية لمشاغلة الاحتلال، وممارسة الضغوط عليه لتخفيف القيود المفروضة على غزة، والاستجابة لتفاهمات سابقة قد تنصل الاحتلال منها.
تدرك فصائل المقاومة أن السياسات الإسرائيلية ذاهبة إلى مزيد من التطرف بحق الفلسطينيين، وأن كل الملفات عالقة وأن الاحتلال يشتري مزيدًا من الوقت لتمرير مخططاته دون الاعتبار لأي تفاهمات، حتى الوسطاء بدوا راغبين في بقاء الهدوء الأحادي وعدم مجاراة التصرفات الإسرائيلية، لتفويت الفرصة على الاحتلال وعدم إعطاء ذرائع لاستجلاب عدوان إسرائيلي جديد.
لكن في القطاع يقدرون جيدًا أن الوقت مناسب لتحريك أدوات التسخين في مواجهة الاحتلال مع مراعاة نظرية التدرج في التصعيد، ولا يرون أن بقاء الهدوء الحالي مصلحة فلسطينية، فالعدوان لا يتوقف والحصار بلغ ذروته، فما الذي يدفع صناع القرار في غزة للانتظار طمعًا في انفراجات زائفة جرت السكان لأوضاع كارثية؟
فليدفع الاحتلال الثمن ما دام يماطل في تنفيذ الاستحقاقات، وعلى العدو البقاء تحت الضغوط الداخلية، فالمستوطنون عادوا يبكون ويطلقون المناشدات، وفي أحيان يشتمون الحكومة من الخسائر التي لحقت بهم بعد التهام النيران للمزارع، فهنا يتقاسمون الثمن مع المزارع الفلسطيني الذي تطلق عليه النيران بمحاذاة الحدود الزائلة، وتحرق مزروعاته بطائرات الرش الصهيونية العدوانية الاستفزازية.
ويبدو أن الخطوات بدأت على الأرض بالتجارب الصاروخية، وإطلاق البالونات، وبالتسريبات حول إمكانية استئناف مسيرات العودة بالقرب من الحدود الزائلة، والكثير مما يمكن أن تظهره الساعات والأيام القادمة، فالأوراق كثيرة والخيارات جاهزة وينتظر جزء منها قرار القيادة، والتي تمسك بميزان دقيق، وتتصرف بعناية، لإدارة مشهد يحقق المخرجات السياسية والميدانية والإنسانية التي يمكن أن تفضي لواقع أفضل.
وهنا لا نستطيع القول بأن المقاومة خدعت فهي تتصرف على قاعدة إن عدتم عدنا، ودائمًا تبقي الباب مواربًا، فلا تلزم نفسها شيئًا مطلقًا، فخياراتها البديلة دائمًا حاضرة، وسيناريوهات المراوغة والمماطلة الإسرائيلية مفهومة ومعلومة ويحسب حسابها عند التوصل لأي تفاهم من خلال وسطاء.
وما يمكن تقديره في هذه الساعات بأن الاتصالات لن تتوقف من الأطراف لأن هناك خشية حقيقية لدى الاحتلال من عودة مشهد الاستنزاف، وغير مقبول إسرائيليًّا عودة البالونات والأطباق الطائرة والإرباك الليلي والمسيرات على الحدود، لذلك صانع القرار داخل الكيان الصهيوني يجري مشاورات سياسية وأمنية وميدانية لتقدير الموقف وبحث خياراته وهو يقف على مفترق طرق ينبئ بتصعيد عنيف ومتدحرج.
ومما لا شك فيه بأن خطوات التصعيد الحالية تربك المشهد الإسرائيلي، وتعيد إلى الأذهان فشل رئيس الوزراء ووزير حربه ورئيس الأركان في إيجاد حل جذري لهذه التهديدات، التي حولت حياة المستوطنين لجحيم ورعب لا يطاق واستنزفت قواته، لكن الخيارات لا تزال محدودة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقدرته على ضبط الأوضاع تفقد فاعلياتها في كل مرة، الأمر الذي سيدفعه للمعالجة الهادئة، والاستجابة لشروط المقاومة، لأنه لا يحتمل مفاجآت جديدة وهو يقود ائتلافًا هشًّا ومتناحرًا في ذروة فساده وتطويقه بالملاحقات القضائية.