فلسطين لا ترجع بالكلمات ولا بالشعارات، ولا ترجع فلسطين بالسخرية من الأعداء والاستهزاء بقدراتهم وتآمرهم، وكما قال الشاعر الفلسطيني أحمد فرح قبل عشرات السنين: إن قذيفة مدفع تساوي ألف قذيفة من كلام.
ودون امتلاك قيادتنا الفلسطينية قذيفة المدفع، فإن كل شيء اسمه فلسطين قد يصير اسمه (إسرائيل) برضا وقبول القيادة التي ألقت قذيفة المدفع، ورفعت غصن زيتون غض لا يقوى على مواجهة الأحقاد التي تتأرجح بين عمل الصهاينة الدؤوب وتآمرهم، وبين جهدهم ومكائدهم، وبين التفاني والإخلاص لعقيدتهم ودسائسهم.
يواجه الفلسطينيون مشروع الضم بهدوء أعصاب واسترخاء، وكأن المؤامرة على أرض بنغلادش أو المكسيك، في حين يعرف القاصي والداني أن الفلسطينيين لا يواجهون محتلاً للأرض فقط، وإنما يواجهون أصحاب فكرة تؤمن بقيام دولة تاريخية دينية على أرض مقدسة، بهدف السيطرة على العالم، ونشر تعاليم دينهم، وهذا الرأي يتعارض مع من يقول: إن (إسرائيل) صنيعة الغرب، ويتوافق مع من يقول: إن فلسفة الغرب العدوانية صنيعة الفكر الصهيوني الغازي، أو صنيعة التحالف بين اليهودية والمسيحية الصليبية، وهذا ما جسده اليهودي بنيامين دزرائيلي الذي صار رئيساً لوزراء بريطانيا سنة 1868، قبل وعد بلفور بخمسين سنة، وقبل المؤتمر اليهودي الذي عقد في بازل سنة 1897، وكان ذلك قبل بناء أول مستوطنة يهودية على أرض ملبس العربية، وحملت اسم بتاح تكفا سنة 1882.
وكي تقام أول مستوطنة يهودية كان لا بد من تأمينها إقليمياً، وهذا ما قام به بنيامين دزرائيلي، الذي مهد الطريق لاحتلال أرض مصر، حيث اشترى رئيس وزراء بريطانيا اليهودي الأسهم التي تمتلكها مصر في قناة السويس سنة 1875، ولتمرير الصفقة حصل رئيس وزراء بريطانيا اليهودي على قرض من بنك عائلة روتشليد اليهودية وقدره ٤ ملايين جنيه إسترليني كي يتمكن من شراء هذه الأسهم، دون إعلام البرلمان البريطاني!
شراء قناة السويس مهَّد لاحتلال مصر سنة 1982، وهي السنة نفسها التي قامت فيها أول مستوطنة يهودية على أرض فلسطين، تاريخ يؤكد عمق الترابط بين احتلال الدول العربية واستعمارها كمدخل لاحتلال فلسطين، إنها السياسة نفسها التي ترى في التطبيع مع الدول العربية مدخلاً لحل القضية الفلسطينية.
قبل الإعلان عن قيام دولة إسرائيل سنة 1948، كان الصهاينة قد أقاموها فعلاً على الأرض، وقبل الإعلان عن ضم الضفة الغربية بشكل رسمي إلى دولة الكيان عملت عصابات المستوطنين على ضمها فعلياً، وراحوا ينتظرون الفرصة للإعلان، وقد لاحت لهم الفرصة كما قال نتنياهو، وغبي سياسياً من يضيع الفرصة.
فأين كانت القيادة الفلسطينية كل تلك الفترة الزمنية التي توسع فيها الاستيطان وتمدد؟
لقد أضاع الفلسطينيون فرصا كثيرة، فُتحت لهم فيها أبواب الدعم العربي والدولي غير المحدود، وفُتحت لهم فيها أبواب المواجهة القادرة على تغيير الخريطة السياسية، وفُتحت لهم أبواب مراجعة مسيرتهم، وتصويب أخطائهم، ولكنهم استسلموا لقيادة لا نية لها بالمواجهة، ولا استعداد لديها للمواجهة، وبدل أن تشعل الأرض تحت أقدام المستوطنين، أشعلت اليوم حرب الجوع في أمعاء الموظفين، في رسالة تؤكد أن الذي لم يستعد للمواجهة، ولا يمتلك مقومات المواجهة، وغير راغب في المواجهة، لا يصلح قائداً لشعب عليه أن يأخذ زمام المبادرة، وأن يقود المرحلة، وأن يقطع اليد التي امتدت تذللاً واستجداءً لأموال الدول المانحة.