فلسطين أون لاين

وصايا شرعية للأمة عند وفاة قادتها

...
غزة-هدى الدلو

الناس ليسوا كلهم سواء، فمنهم من يمر في دنيا الناس كصفر لا قيمة له كما بعض الأمم، وأناس يعيشون لأمتهم وأوطانهم، ويرحم الله أبا القاسم الشابي الذي قال: (ما استحق الحياة من عاش لنفسه)، أما من يكون له أثر في الحياة، فيفقد غيابه الناس، خاصة إذا كانت شخصية قيادية ولها وزنها في المجتمع.

في السياق يرى الداعية مصطفى أبو توهة أن من يولد ويعيش ويموت صغيرًا، يحشر يوم القيامة صغيرًا، أما الكبار والعمالقة فإنهم يفرضون وجودهم في الحاضر والمستقبل، لأن الأمة تتأثر بفقدهم كما يتأثر الحي إذا فقد عضوًا رئيسًا من أعضائه.

ويقول لـصحيفة "فلسطين": "يرحم الله القائل حين قال: "لعمرك ما الرزية فقد مال أو جمل أو بعير، إنما الرزية فقد رجلٍ يموت بموته خلق كثير"، وبقدر ما يكون اهتمام الإنسان أيا كان بقدر ما يكون صدى وتأثير فقده على مستوى البلد أو الدولة أو الوطن الكبير وربما على مستوى الإنسانية كلها".

ويبين أبو توهة أن الشعب الفلسطيني ما كان له أن يخط مسيرة نضاله الطويل المخضب بالآلام والدماء والشهداء ليظل حيًا شامخًا يناطح أنوف الأمس واليوم والغد، محافظًا على ثوابته، رافعًا راية حريته، متشبثًا بوجوده وأرضه لولا أولئك النفر من القادة العظام الذين أنجبتهم أمهات عظيمات ليكونوا حادي الركب إلى مستقبل واعد آتٍ لا ريب فيه.

ويضيف: "الرائد لا يكذب أهله؛ لأن أولئك القادة حملوا أرواحهم على أكفهم وشعارهم: (فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا)، لذلك فالقادة قيضهم الله تعالى ليقودوا شعبهم إلى ما ينبغي، وإلا فإن غيابهم هو غياب الحاضر والمستقبل".

ويوضح أن الأمة ما فتئت اليوم وعلى مدار تاريخها تنجب أجيال القادة الذين إن مات أحدهم أو قتل في سبيل مبادئه الحق والعدل حتى يتسلم الراية قائد يتلوه، "فنحن بفضل الله تعالى أمة ولادة وشعب مجيد وكما قيل: (نحن أمة شعارها المجد يهوانا ونهواه) فالأمة باقية، ولن يخرجها من سياق التاريخ إلا من أدخلها أول مرة"، وفق أبو توهة.

ويذكر قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران: 110)، فالشعب الفلسطيني يتشرف بأولئك العظماء الذين تركوا بصمة وخلفوا من ورائهم جيلا يحمل الراية خفاقة.

من جهته يؤكد الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون، رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية، د. زياد مقداد، أهمية دور القائد في المجتمعات على كل المستويات، والتجمعات والجماعات والمؤسسات.

وينبه في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن الشخصية القيادية نادرة وقليلة بين الناس، لكنها في الوقت نفسه ليست مفقودة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة"، فالقائد تجتمع فيه صفات خاصة من حيث الذكاء والفطنة والقدرة على التأثير والتوجيه والتغيير والتطوير ... وغير ذلك.

ويتابع مقداد: "من هنا كانت حاجة المجتمعات للقادة، وأنه حال فقدها أو موتها يترتب على ذلك الارتباك والاضطراب والتيه، ولمّا كان أجل القائد كغيره محدودا كان من واجبات القائد الحكيم أن يقوم على بناء نظام للجماعة أو المؤسسة التي يقودها، بحيث يحفظ لها استقرارها حال غيابه أو موته، ويصنع قيادات تواصل الطريق من بعده".

ويشير إلى أن موت القائد برغم بعض تأثيراته السلبية فإنه يمكن تجاوزه بالعمل لهذا اليوم ووضع الأساس الصحيح لتجاوز محنة الفقد وبناء الشخصيات القيادية التي يمكن أن تخلفه لاستدراك المشكلة التي تترتب على غيابهم.

ويبين مقداد أنه لو كان موت القائد يعني توقف الحياة لوقفت عند موت القائد الأعظم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولما وجد هذا التطور والإنجازات البشرية العظيمة، ولكن الحياة بعد موته عليه الصلاة والسلام استمرت وتحققت إنجازات في عهد من جاؤوا بعده من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم.

ويوضح أن من واجب الأمة أو الجماعة أو أي حركة تفقد قيادتها اختيار القائد المناسب ليخلف المفقود أو الميت، والحرص على أن يكون ذلك على أسس سليمة ومعايير حكيمة فتُراعَى الكفاءة والإخلاص والخبرة والفطنة، والقدرة على التوحيد والتأثير، وغير ذلك من الصفات القيادية الناجحة.

وينبه مقداد إلى وجوب عدم التنازل، بل يجب إدراك أن القيادة تكليف ومسؤولية وأنها مغرم لا مغنم، فإذا راعت الأمة هذه الأمور، وطبقت الإجراءات والمعايير بعد موت القائد سلمت وتعافت بإذن الله تعالى.